اقتحام المسجد الأقصى يصفغُ قمم مكة!
د. وفيق إبراهيم
الشكر الإسرائيلي للقمم السعودية الثلاث العربية والخليجية والإسلامية المنعقدة في مكة المكرمة لم يتأخر، فما كاد بيانها الختامي يطوبُ إيران عدواً أساسياً للعرب والمسلمين حتى اقتحم آلاف الإسرائيليين المسجد الأقصى كمقدمة لتدميره واستبداله بهيكل «مزعوم» لسليمان. فكاد أوروبيون وسكان ألاسكا واوستراليون يعتقدون أن المسجد الأقصى موجود في إيران ويحاول اليهود تحريره من قبضة «المجوس»!! فهم يعرفون أن هذا المسجد مقدّس عند نحو مليار ونصف مليون مسلم لأنه أولى القبلتين عندهم، وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وهو محترم أيضاً عند المسيحيين لأنه في مدينة القدس المحتلة.
هناك إذاً تناقض بين ادعاءات هذه القمم بحماية فلسطين وبين محاولاتها جَعلِ إيران عدواً أساسياً ووحيداً للعرب والمسلمين وبما أن المسجد الأقصى ليس موجوداً في إيران، فيجب البحث عن أسباب هذه العدائية، فلا يجد المراقبون إلا الدعم الإيراني للتنظيمات الفلسطينية المجاهدة لتحرير فلسطين المحتلة، بما فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
ويجدون أيضاً الدعم الإيراني للعراقيين في تحرير بلدهم من الإرهاب المدعوم أميركياً وتركياً وخليجياً وأيضاً الدعم الإيراني الكبير لسورية التي جابهت إرهاباً كونياً غير مسبوق. وهنا كان الدعم الإيراني كبيراً وموازياً لحجم المخاطر، تكفي الاشارة إلى أن هذا الإرهاب كان مدعوماً من كل الدول المجاورة لسورية وأولها تركيا والأردن و»إسرائيل» والحدود العراقية ولبنان.
هذا إلى جانب دعم الإرهاب من «إسرائيل» عند حدود الجولان السوري المحتل والإسناد الأميركي والغربي بالتسليح والتزويد بالمعلومات والكشف عن الطرقات الآمنة، والقصف الجوي الذي لا يزال الأميركيون يدعون أنه من طريق الخطأ.
كما يصادفون دعماً إيرانياً لأنصار الله اليمنيين الذين يتصدّون منذ سنين خمس لاجتياح سعودي إماراتي مسنودٍ بشكل عسكري مباشر أو بالتسليح والتغطية الجوية من الأميركيين والغربيين و»إسرائيل» وبعض الدول العربية والإسلامية.
هنا يزعم السعوديون أنهم يريدون تحرير اليمن وإعادته إلى شرعية عبد ربه منصور هادي النائم في قصور الرياض لا يعرف ماذا يجري، لا بد من الإشارة إلى أن آل سعود سيطروا سابقاً على اليمن لمدة خمسين عاماً انتهت باغتيالهم الرئيس السابق إبراهيم حمدي الذي حاول التمرد على وصايات آل سعود، لذلك فالدعم الإيراني لليمن أسهم إلى جانب بسالة اليمنيين في صد همجية سعودية إماراتية مغطاة دولياً بكل الحاجات التسليحية والإسناد المباشر، فلمن تسمح الأخلاق بالتدخل؟
عشرات آلاف المدنيين تقتلهم أدوات الحرب السعودية وتدمر حضارتهم ومنازلهم وتحرق مصادر عيشهم، فبدلاً من إدانة قمم مكة للهمجية السعودية رحلوا ناحية إيران لإدانتها على دعمها لأبرياء اليمن.
وكيف تجيز قمم تنتحل الصفات الإسلامية والعربية لنفسها إدانة الحشد الشعبي في العراق وهو الطرف الأساسي في الحاق أكبر هزيمة بإرهاب احتل معظم أرض العراق. وهنا يتضح اللغز، هذا الإرهاب كان مدعوماً من السعودية وعموم الخليج وتركيا والأميركيين ما يفرض إدانة الحشد الشعبي لأنه قضى عليه بدعم إيراني، إيران اذاً هي المسؤولة.
كما أن قمم مكة عندما تدين إيران فلأدوارها الإسنادية للبنان أيضاً، فكيف يُجيزُ «المجوس» لأنفسهم دعم حزب الله لتحرير جنوب لبنان بين 1982 2000 متجرئين أيضًا على دعمه لصدِ الاجتياح الإسرائيلي في 2006؟
ومنسقين مع الحزب للدفاع عن سورية في وجه المؤامرة الكونية عليها، كان يفترض بإيران، حسب وجهة النظر الأميركية السعودية ان تترك «إسرائيل» تفعل ما تريده في سورية ولبنان فتخرب فيهما وتحتل أراضيهما، حسب حاجات استمرار الكيان الإسرائيلي الغاصب وللزوم الحاجات الأميركية لتشكيل شرق اوسط جديد للسعودية فيه دور تهريجي وتمويلي، أليسوا هم أهل الجود والرشى؟
لقد كان هناك إحساس أن قادة الدول الخليجية والعربية والإسلامية وهم في ارذل العمر قد أخطأوا في اسم الدولة المستهدفة واضعين إيران بدلاً من «إسرائيل»، ومكتشفين في النهاية أن هناك اصراراً أميركياً سعودياً على جعل إيران عدواً اساسياً للعالمين العربي والإسلامي مع الإصرار على حل الدولتين في فلسطين المحتلة، فتبدو وكأن إيران هي البلد الذي يحتل فلسطين وهي أيضاً من نشر داعش والنصرة وهيئة تحرير الشام والقاعدة، وحراس الدين واللواء التركستاني والايغور ومسلمي القوقاز وروسيا واوروبا الشرقية، في البلدان العربية!! أليست إيران مَن دعم البلوش بينها وبين باكستان كي يهاجموها؟ وضخّت أموالاً هائلة على الأكراد الإيرانيين ليتحركوا ضدها؟
وتحاول دائماً استنهاض العرب الأحوازيين للتمرد على طهران والانفصال عنها؟
على ماذا يدل هذا الكلام؟
إنه يكشف أن السعوديين يستشعرون خطراً على حكمهم فيطلقون صرخات استغاثة «على شكل قمم» معنوية الطابع هدفها تأمين شرعية عربية واسلامية وخليجية لآل سعود، ومنح الأميركيين تفويضاً اسلامياً وعربياً رسمياً لتدمير إيران التي يعتقد السعوديون أنها تهدّد استمرارهم محاولين التستر بجمل هوائية عن حلّ الدولتين في فلسطين، وهذا كلام دعائي لأنهم متحالفون مع الأميركيين الذين اعترفوا بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل» وأهدوها الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية وألغوا الاونروا مشجعين على الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية ولا يستنكرون أي هجوم على غزة أو أي اقتحام للمسجد الاقصى.
النتيجة الوحيدة لقمم المكةِ، تتجسد بشكر إسرائيلي كبير على دعم اقتحام آلاف اليهود للمسجد الأقصى وسط استغراق الحكام العرب والمسلمين في سبات أعمق من نوم أهل الكهف.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/03