«صفقة القرن» وما سرُّ الإصرار والفصل؟.. فحذار حذار
حسن شقير
هل الأمن الفلسطيني – الفلسطيني، هو المطلوب رأسه أميركياً وصهيونياً أولاً في صفقة القرن؟
وهل فلسطين المقبلة، يُراد وضعها بين فكي مطرقة الحرب الناعمة الأميركية ونظرية الأمن الصهيوني الحديث؟
وهل ما خفي من تداعيات لصفقة القرن – بشقها الاقتصادي تحديداً -، ربما يكون أدهى وأمرّ من الصفقة نفسها؟
إنّ إصرار أميركا على السير بصفقة القرن، مع علمها اليقيني بأنها مرفوضةٌ وبشكل مطلق من كافة أطياف الشعب الفلسطي، وإصرارها على انعقاد «مؤتمر السلام من أجل الإزدهار» في موعده المحدّد، وبغضّ النظر عن تطورات المشهد السياسي في «إسرائيل»، يعني بأنّ الزمن بين ما سُمّي بالسلام الاقتصادي والسلام السياسي سيكون مديداً! إنّ هذا وذاك يدفعنا إلى التساؤل عن المطلوب والمُراد حقاً من وراء ذلك.
تجدر الإشارة بداية، إلى أنّ الاستراتيجية الأميركية الحقيقية من هذه الآلية لصفقة القرن، ترتكز على رؤية أوباما وتوصياته في مؤتمر سابان للعام 2013 بجعل «الضفة الغربية نموذجاً للشباب الغزي»، وذلك لـ «جذبهم» من مربع المقاومة إلى مربع الإقتصاد والإزدهار… هذا فضلاً عن تبنّيها على النظرية الصهيونية الأمنية الحديثة، والقائمة على التخلي عن مبدأ «الأمن الذي يستجلب الإقتصاد»، والتحوّل إلى عكسها تماماً.
نعتقد بأنّ المشهد الفلسطيني المنشود صهيوأميركياً في مقبل الأيام المديدة بين «السلاميْن» المزعومين، ربما سيكون مرسوماً أميركياً، على الشكل التالي:
إيجاد وتفعيل النماذج الجاذبة والمتخمة بالمال الخليجي من جهة، ليترافق ذلك مع تشديد الحصار والتضييق على مختلف القوى الفلسطينية الحزبية والشعبية معاً من جهة ثانية، والإنتظار لبرهة من الزمن، ومع التوقع الصهيوأميركي بصمود الشعب الفلسطيني ورفضه لمنطق الإبتزاز والإنجذاب والتخلي.. لينتقل بعدها عرّابو صفقة القرن إلى الخطة «ب» أيّ إلى الميدان الأشدّ خطورة على القضية الفلسطينية، والمتمثل بالسلام الفلسطيني الداخلي، والذي نفترضه قطب الرحى في ذاك المدى الزمني بين «السلاميْن» المزعومين في الصفقة، بحيث يُعمل ربما – إلى تفعيل العمل الأمني على بعضٍ من تلك النماذج المختلقة في الساحة الفلسطينية الداخلية، وسواء في الداخل، أو حتى في مخيمات اللجوء في الخارج، وذلك في توجه خبيث لقذف كرة النار في صفقة العار إلى مربع الشعب الفلسطيني الذي يُراد منه أن يُمرّر صفقة العار – بشقها السياسي – لاحقاً، ومن على جسده المنهك والممزق لا سمح الله – فيما لو حدث ذلك.
ولكن، وبما أنه لا يمكن لأحدٍ في هذا العالم بأن يُشكّك، ولو للحظةٍ واحدة، بمدى وطنية وصدق وإخلاص الشعب الفلسطيني لقضيته الجامعة، وبما أنّ ذاك الإعتقاد الراسخ سيكون خارج إطار النقاش لدى العدو قبل الصديق، وبما أنه يستحيل على عاقلٍ بأن يُراهن على أنّ «البحبوحة الإقتصادية المفترضة» لهذا الشعب المناضل، ستجعله ينسى قضيته الأم.. فهذا مُحالٌ أيضاً وأيضاً، وبما أنه لا يمكن لأيّ متابع موضوعي لنهجي ترامب ونتنياهو الحاليين في كيفية تعاطيهما مع ملفات المنطقة، بأن يوسمهما بالسذاجة المطلقة، والجهل بما يستبطنه الضمير الفلسطيني الحي تجاه قضاياه. فهذا أيضاً بعيدٌ عن المنطق، وذلك على الرغم من كلّ تلك الصورة التي يحلو للبعض بوسم سياسات هذا الثنائي بها… وبناءً عليه، وعلى الرغم من كلّ هذا وذاك، يبقى السؤال: لماذا هذا الإصرار؟ وما هي القطب المخفية المُراد تظهيرها لاحقاً؟
لعلّ الراصد للعقل الأمني الأميركي والصهيوني، وفي مختلف الملفات التي يشنّ فيها الحرب على أطراف ودول محور المقاومة، وكيفية إخراجه للأرانب الخبيثة، وبشكل متتال، وبعد كلّ محطة انتصارٍ لهؤلاء في جولات الصراع مع الوكلاء والأصلاء في المنطقة، وذلك بغية السير قدماً بمشروعهم التصفوي للقضية الأم، فإننا نعتقد بأنّ العمل الأمني التخريبي والفتنوي، سيكون سيّد الموقف بين «السلاميْن»، وذلك من خلال استهداف بعض الأهداف المنتقاة في الساحة الفلسطينية، والتي تعنى حصراً بلقمة عيش الفرد العادي، والتي ترتبط ببعض الأموال والهبات التي قدّمت وتقدّم غداً إلى ذاك الميدان الحساس جداً لمواطنٍ يعاني من مرارة الحصار وانتظار الغد الأفضل له.. ليترافق ذلك كله مع ضخّ إعلامي خبيث حول خلفيات ذلك، ومدى ارتباطه برفض شرفاء فلسطين لذاك الجزر الإقتصادي الموعود من تلك الصفقة، وذلك في محاولة لردّ كرات النار من الملعب الصهيوني نحو الفلسطيني! فهل يبتعد هذا السيناريو الأميركي الواقف اليوم على أسوار فلسطين، عن نظيره الذي ربض على الحدود الفنزولية مع كولومبيا؟ لا أعتقد.
نخلص إلى القول، بأنّ وأد هذا السيناريو المرتجى صهيونياً وأميركياً سيكون بالرهان حصراً على قدرة الفصائل والأطياف الفلسطينية كافة على مراقبة يوضاس الفلسطيني والعربي، ليُصار إلى طرده، وذلك كما طُرد نظيره الفنزويلي بالأمس القريب.
نختم بكلمات معدودة، ربما يكون سرّ الإصرار في تجزئة «السلاميْن» مقصوداً لتهيئة وخلق الأرضية المناسبة لتصفية القضية من الداخل، وذلك بعد أن تمّت، مع الأسف، تصفيتها من خلال هندسة الخارج المثخن بجراحه العميقة، والتي جعلت كثيراً من ميادينه تنشغل حصراً بما يجري فيها، وذلك عند بدء إرهاصات إعلان هذه الصفقة الشؤم، فحذار حذار…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/03