تلميع التطبيع وتلطيخ المُقاومة
زهير أندراوس
نرى من واجبنا القوميّ والوطنيّ والأخلاقيّ مُحاولة سبر أغوار الحملة السافِرة التي تقوم بها الإمبرياليّة والصهيونيّة وأدواتهما في الوطن العربيّ لشيطنة سيّد المقاومة، الشيخ حسن نصر الله وحزب الله، وما يُطلِقون عليه محور الشرّ، أيْ إيران، سوريّة، حزب الله وتنظيمات المُقاومة الفلسطينيّة، وفي الوقت عينه التمحيص عن أسباب تلميع التطبيع العربيّ مع كيان الاحتلال، ومرّد ذلك باعتقادنا، أنّ الاستعمار الثقافيّ تمكّن عبر الوكلاء في الدول العربيّة من تأجيج الخلافات بين أبناء الأمّة العربيّة، حيث تحوّل العداء الطائفيّ المقيت والبغيض بين المسلمين والمسيحيين، إلى صراعٍ مذهبيٍّ بين السُنّة والشيعة، وهذا الصراع يُساهِم إلى حدٍّ كبيرٍ في تفتيت وتمزيق النسيج الاجتماعيّ للأمّة العربيّة من محيطها إلى خليجها، ناهيك عن أنّه يُجزأ المجزأ، ويُقسِّم المُقسَّم، ويصرف الأنظار عن أنّ عدوّنا الأوّل والأخير كان وما زال وسيبقى الاستعمار وصنيعته الحركة الصهيونيّة، التي لا تتوقّف أطماعها في اغتصاب فلسطين التاريخيّة، بلْ تذهب إلى أبعد من ذلك، إنّها حركة كولونياليّةٍ عنصريّةٍ بامتيازٍ تهدِف إستراتيجيًا إلى السيطرة العمليّة على الوطن العربيّ من ألفه حتى يائه.
***
والسيطرة على الوطن العربيّ، لا تتّم بالحروب، وها هو أحد أكبر مُنظّري الصهيونيّة، يهوشفاط هركابي يقول: لقد قاتلنا العرب في عدّة حروبٍ وهزمناهم عسكريًّا، لكن عقب كلّ حربٍ يتولّد مشهدًا سياسيّا أكثر تعقيدًا وتزداد مشكلتنا مع العرب تعقيداً. ويُضيف: ولذلك فإنّ الحرب ضدّ العرب لن تمنح الأمن لإسرائيل، بل كلّ حربٍ تلِد أخرى، وأنّ أفضل طريقة هو التركيز على التسوية السياسيّة، وفي هذه من المُمكِن أنْ نُحقِّق الانتصار النهائيّ على العرب، ومن الممكن أنْ نأخذ من العرب على طاولة المفاوضات أكثر ممّا نأخذ منهم في الحرب، ومُضيفًا: طبيعة العقل العربيّ والشخصية العربيّة تؤكّد لنا ذلك، فالعربيّ عنيد في الحروب والمُواجهات، ولكنّه مَلُول في الحوار والمُفاوضة ومن الممكن، ولأنَّه قصير النَفَس وفاقِد للرؤية السياسيّة ومُهشَّم من الداخل نتيجة الهزائم العسكريّة المتكررة، يُمكِن الحصول على مكاسب سياسيّةٍ عديدةٍ منه على طاولة المفاوضات.
***
لو بُعث هركابي من قبره وسأله الرئيس بوش قبل غزو العراق في العام 2003 وقال له: هل نغزو العراق؟ والآن لو استشاره سمسار أمريكا، ترامب-و، عن شنّ حربٍ ضدّ إيران، لكان جواب هركابي: لا انصح بالغزو العسكريّ، ولكن بالغزو السياسيّ، فالغزو السياسيّ في بلاد العرب يُحقِّق نتائج على الأرض أكثر من الغزو العسكريّ، ولو غزوت عسكريًا سيتولّد المشهد السياسيّ الأكثر تعقيدًا من وجود الرئيس العراقي صدّام حسين الآيل للسقوط، في حين أنّ المُواجهة العسكريّة مع إيران ستُشعِل الشرق الأوسط. ويبدو أنّ الإدارة الأمريكيّة تعلّمت من درس العراق خُلاصة مقولة هركابي، وبعد أنْ كانت تُهدِّد كلاً من إيران وسوريّة انخفضت وتيرة التهديد وأخذت واشنطن تُكثِّف من وتيرة الضغط السياسيّ والعقوبات الاقتصاديّة، للتركيز على سياسة التفكيك والترويض، بكلماتٍ أخرى: إنّهم يعالِجوننا الآن على طريقة هركابي. لا حرب ولا عسكر بل غزو سياسيّ طويل الأمد وتغلغلٌ ثقافيٌّ وتفكيكُ سياسيٌّ واجتماعيٌّ للبنى الاجتماعيّة والسياسيّة التقليديّة ذات النظرة المُعادِية للتدّخلات الأمريكيّة في الشؤون العربيّة، خاصّة في الشأن الثقافيّ والدينيّ والحضاريّ، وبطبيعة الحال يتّم تنفيذ هذا المُخطًّط الشيطاني بتواطؤٍ من حُكّامٍ عربٍ باتوا أسرى للويلات( ليس خطأً مطبعيًا) المُتحدّة الأمريكيّة.
***
يجب قول الحقيقة بدون رتوشٍ: من وجهة نظر الإمبرياليّة فإنّ محور إيران، سوريّة وحزب الله هو “الهلال الشيعيّ”، وفق تسمياتهم، التي للأسف تبنّاها العديد من العرب، والمحور الثاني هو “المحور السُّنيّ” الذي تقوده السعوديّة، ويعتبِر حماس وحزب الله تنظيماتٍ إرهابيّةٍ، ومع ذلك، يبدو، بعد عقد القمم الثلاث في مكّة المُكرمّة، أنّ أتباع رأس الأفعى بالوطن العربيّ، أمريكا، تبنّوا قولاً وفعلاً مقولة هركابي، أيْ اللجوء للسياسة وعدم الحرب مع الكيان، وتوجيه طاقاتهم وقُدُراتهم للـ”عدوّ الإيرانيّ” الوهميّ والهُلاميّ، وهذا ما يُفسِّر هرولة العديد من الدول العربيّة إلى “ورشة البحرين” التطبيعيّة بامتيازٍ، والتي ستُعقَد بمُشاركةٍ إسرائيليّةٍ رسميّةٍ، على الرغم من أنّ “نجم الورشة”، الشعب العربيّ-الفلسطينيّ، يُقاطِعها، دون أنْ يُخوِّل كائنًا مَنْ كان أنْ يتحدّث نيابةً عنه، ونختُم مع حكيم الثورة وضميرها، الراحِل-الباقي، د. جورج حبش، الذي أرسى مقولته المأثورة: “إنّ الصراع مع الصهيونيّة قد يستمِّر مائة عامٍ أوْ أكثر، فعلى قصيري النفوس التنّحي جانبًا”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/06/04