انتباه: الإستراتيجية الأميركية لفرض صفقة القرن...!
نصار إبراهيم
لنشتم دونالد ترامب كما نشاء… لنسخر منه… لنتحدث عن مأزق أميركا وصعوبة خياراتها… ومع ذلك يجب الانتباه إلى أنها لا تمزح.. فهي تملك من عوامل القوة الشاملة ما يجعلها صعبة المراس…
صحيح أنّ الطريق أمام صفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية ليست معبّدة… لكن الإدارة الأميركية تعمل بدأب على إعداد المسرح الإقليمي والعالمي لإخراجها وإعلانها وذلك عبر سلسلة من النقلات العميقة، بعضها مباشر وبعضها مضمر…
أول هذه النقلات يتمثل في التصعيد والتسخين العسكري في المنطقة ووضع جميع الأطراف أمام خيارات قاسية ومدمرة… الثاني: اللعب على التناقضات وتباين المصالح بين أطراف الحلف المضاد… وإشغال كلّ طرف واستنزافه وإغراقه في قضاياه خاصة:
ـ حصار إيران وتشديد العقوبات عليها إلى الحدّ الأقصى.
ـ إشغال الصين بالحرب التجارية والتهديد بتحويلها لحرب باردة.
ـ إشغال روسيا من خلال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقيات المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية ومحاصرتها بالدرع الصاروخية وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها وإشغالها في مستنقع أوكرانيا.
في هذا السياق يأتي «الترويج الأميركيّ عن فرضيّة التوصل لحلّ روسي أميركي في سورية، واعتبار لقاء مستشاري الأمن الروسي والأميركي والإسرائيلي محطة لهذا التفاهم، وتضمينه سلفاً إشارات لانسحاب إيران وقوى المقاومة من سورية مقابل اعتراف أميركي بشرعنة النصر السوريّ» على حدّ قول ناصر قنديل صحيفة البناء اللبنانية 8 حزيران 2019 .
ـ استنزاف سورية والضغط عليها بتوظيف المجاميع الإرهابية في إدلب وفي المنطقة الشرقية وفرض المزيد من الحصار والعقوبات الاقتصادية وعدم إعطائها فرصة للتنفس. يشمل هذا: توظيف ورقة الأكراد، وضخ المليارات من السعودية لشراء ولاء القبائل العربية في المنطقة الشرقية من سورية.
ـ إشغال العراق بالتناقضات الداخلية وتفعيل فلول داعش لتبقى قوة تهديد دائمة للداخل العراقي.
ـ تصنيف حزب الله إرهابياً وفرض عقوبات اقتصادية مترافقة مع حرب إعلامية وإشغاله بالشؤون والتناقضات الداخلية اللبنانية، والتهديد بدفع لبنان نحو أزمة اقتصادية طاحنة.
ـ محاصرة الفلسطينيين وفرض عقوبات اقتصادية عليهم.
ـ استمرار حرب اليمن واستنزاف الشعب اليمني.
ـ إشغال الجزائر بمشاكلها الداخلية وكذلك السودان وليبيا.
ـ تهميش دور الأردن واستبعاده وإغراقه في التحديات الاقتصادية. رابعا: أما على صعيد حلفاء أميركا فهي تسعى من أجل:
ـ تجميع أولئك الحلفاء في حلف موحد تحت عنوان مواجهة التهديد الإيراني، في هذا السياق تأتي القمم التي بادرت إليها السعودية بإيعاز وتوجيه من الإدارة الأميركية القمة العربية والقمة الخليجية في مكة، وورشة البحرين الاقتصادية في 25 من الشهر الحالي.
ـ تشريع وتسريع التطبيع المعلن ما بين دويلات الخليج و»إسرائيل».
ـ الضغط على أوروبا والشركات الأوروبية لجرّها أكثر لتكون أداة فاعلة لمنع كسر العقوبات على إيران. في سياق هذه الاستراتيجية الأميركية «لا يمكن الفصل بين المسار الخاص بالملف النووي الإيراني وملف صفقة القرن، الذي يشكل مساراً موازياً لمسار حصار إيران في الخريطة الأميركية الإسرائيلية الخليجية المبنية على فرضية القدرة على تحجيم ومحاصرة قوى المقاومة وفرض مفهوم الأمن الإسرائيلي عليها. وبالتالي يشكل انعقاد مؤتمر البحرين أواخر شهر حزيران الحالي الفرصة الاختباريّة الأولى للتوازنات التي تحكم معادلة صفقة القرن» ناصر قنديل المصدر السابق . خلاصة القول: المواجهة ليست سهلة… هذا يفرض على محور المقاومة وحلفائه أن يعدّوا ويستعدّوا باستراتيجية نقيضة واضحة ومدروسة وعملية. فهذا المحور ليس ضعيفاً أو هشاً… إنه يملك طاقات وإمكانات وإرادة وقوة بمقدورها أن تقلب الطاولة… وأن تفشل رهانات الولايات المتحدة… حيث أثبت هذا المحور في الميدان أنه يملك رؤية وقدرة على الصمود والدفاع الاستراتيجي من جانب وقدرة على المبادرة للهجوم لاحقاً… كما أنه يملك الشرعية السياسية والأخلاقية والقدرات الهائلة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، فنحن نتحدث هنا عن قوى عالمية وإقليمية كبرى: روسيا، الصين، إيران، سورية حزب الله، قوى المقاومة في اليمن والعراق… ومعهم تأتي فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية والقوى الشعبية في العالم العربي وفي أميركا اللاتينية وغيرها… ومع ذلك وقبله وبعده… تبقى فلسطين صاحبة القول الفصل… فهي التي تمنح الشرعية وتنزعها حتى لو وافق كلّ العالم على صفقة القرن ورفضه الفلسطينيون فإنّ قيمته لن تتجاوز الأمنيات… وسيبقى الصراع والاشتباك مفتوحاً في التاريخ والجغرافيا والثقافة وفي الميدان.
ولكن… لكي يكون لكلمة فلسطين وقع يليق بها فإنّ هذا يفرض وبالضرورة على القوى والقيادات الفلسطينية أن تقف وتعيد النظر في واقعها وخياراتها واستراتيجيات عملها بما يتجاوز حالة البؤس الراهنة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/13