دين لا أعرفه!
محمد العصيمي
لا أكاد أرسل تغريدة ناقدا أحد الدعاة الجدد أو مؤيدا لحق من حقوق المرأة، أو مطالبا بفتح نوافذ الفن والسينما والثقافة بوجه عام، إلا وتنهال علي الأسئلة: من أي قبيلة أنت وماهو أصلك وفصلك ومنشؤك.؟ وحين لا أرد، وأنا عادة لا أعير مثل هذه الأسئلة انتباهي، يتبرع البعض فيفتي في أصلي وفصلي وأبي وأمي. وبقدر ما تبدو مثل هذه الأمور تافهة، ولا تقدم أو تؤخر في رأيي ومواقفي، إلا أنها طالما لفتت نظري إلى وقوع البعض في مطب (القبيلة) وبأن أعرافها أو كما يقولون (سلومها) هي الدين.
وهو دين لا أعرفه ولم أدرسه ولا حتى ورثته عن أجدادي. الدين الذي أعرفه هو دين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام، الذي جعل أكرم الناس عند الله أتقاهم. ولم يفرق بين ابن قبيلة وعابر سبيل أو بين أسود وأحمر وأبيض. ديني، كما علمني إياه أساتذة زمن السماحة والقلوب النظيفة، هو الذي جمع في مدينة الرسول بين خالد بن الوليد وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي.
وكم كنت، بالمناسبة، مأخوذا في صباي وما زلت بهذا التعدد والتنوع البشري الذي عرفه إسلام عهد النبوة قبل أن يتحرر عبيد أمريكا بما يزيد على ألف وثلاثمائة سنة. وقبل أن تصاغ شرعة حقوق الإنسان في عصرنا الحديث، أو يصبح للنوايا الحسنة سفراء يهدون الناس إلى الحب والصفح والتعاون، فما الذي تغير حيث أصبحنا في مؤخرة صيغ التعدد والتنوع وقد كنا في مقدمتها.؟!
الذي حدث أن أعراف القبيلة ومفاخرها، بدلا من أن توضع في إطارها الصحيح والمحمود، أصبحت هي الحكم على الناس وحضورهم الديني فضلا عن حضورهم وقيمتهم الاجتماعية. وأصبحنا نسمع من أشخاص، كنا نظنهم عقلاء وراشدين، من يرفع العصا في وجه فلان لأنه أسود ويحقر من وضع فلان لأنه لا يمت إلى أي فخد أو ساق قبلي بصلة. بل إن بعض الأتباع الجهلاء صار ديدنهم السب والشتم والقذف بناء على المعطى القبلي أولا، ليأتي بعد ذلك الحكم على دينك وصلاحك وجدارتك في الفتوى أو الرأي.
وهذا يعني، فيما يعني، أنك لو أصبحت مكتبة إسلامية متنقلة وملكت منتهى العلم وكل الحكمة فإنك لن تساوي شيئا طالما أنك لا تنتسب إلى قبيلة. القبيلة أولا ثم يأتي بعدها أي شيء!!
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/03/16