تنّحوا قليلاً.. الردّ السوريّ آتٍ لا محال
زهير أندراوس
بعد كلّ عدوانٍ تقوم دولة الاحتلال الإسرائيليّ بتنفيذه ضدّ سوريّة، تُسمَع الأصوات في الوطن العربيّ متسائلةً: لماذا لا ترُدّ دمشق؟ السؤال بحدّ ذاته وجيه، ولكن هناك البعض الكثير من الناطقين بالضاد، الذين يشمتون بهذا البلد العربيّ، الذي يتعرّض منذ أكثر من 8 أعوامٍ لمؤامرةٍ كونيّة هدفها تحويله إلى دولةٍ فاشلةٍ، حفاظا على أمن إسرائيل أولاً، وثانيًا للإجهاز على ما تبقّى من فلسطين، وبالتالي يجب وضع بعض الحروف على النقاط: نتألّم وبشدّةٍ عندما يتّم الاعتداء على سوريّة، ونسمح لأنفسنا بالتساؤل: ما هو الدور الروسيّ؟ ولمَ لا تسمح موسكو لدمشق باستخدام منظومات الدفاع من طراز إس300 المنصوبة على الأراضي السوريّة؟
ولكي لا نتجنّى على القيادة الروسيّة، يجِب التشديد على أنّه في السياسة لا توجد صداقات إنمّا مصالح، وروسيا التي دخلت إلى سوريّة بدعوةٍ من حكومة الأخيرة، جاءت لتُساعِد النظام الحاكِم في دحر الجماعات الإرهابيّة-التكفيريّة، التي تلقّت المُساعدات من دولٍ عربيّةٍ، وتحديدًا خليجيّةً، ومن رأس الأفعى، أمريكا وربيبتها، إسرائيل، للتحوّل إلى رأس الحربة في الـ”نضال” ضدّ الـ”نظام الأسديّ الاستبداديّ” (!)، أيْ أنّ هذه الجماعات باتت تُحارِب بالإنابة عن أعداء الأمّة العربيّة وبالوكالة عنهم، لتفتيت دولةٍ عربيّةٍ ما انفكّت يومًا عن دعم المُقاومة في لبنان وفلسطين.
لروسيا هناك مصالح تكتيكيّة وإستراتيجيّة في الشرق الأوسط، وهي لم تُرسِل جيشها وعتادها لتحرير فلسطين و/أوْ الجولان، ولا يُمكِن بأيّ حالٍ من الأحوال المُقارنة بينها وبين رأس الأفعى، أمريكا، في دعمها المُطلَق لكيان الاحتلال، وبالتالي من الخطأ التعويل عليها في كلّ شاردةٍ وواردةٍ، فهي تعمل وفق أجندتها الخاصّة، التي تُحتِّم عليها الحفاظ على علاقاتٍ جيّدةٍ مع إسرائيل، لأنّها تُعاني أيضًا من عقوباتٍ اقتصاديّةٍ فرضتها عليها واشنطن، التي تأتمِر من تل أبيب، وتُقرِّر سياساتها بضغوطٍ شديدةٍ من اللوبي اليهوديّ-الصهيونيّ في أمريكا، بالإضافة إلى عصابات اليمين المُحافِظ، التي كانت وما زالت وستبقى صهيونيّةً أكثر من هرتسل، ويكفي في هذه العُجالة التذكير بالمُتطرِّف والحاقِد، جون بولتون، الذي لدينا الانطباع بأنّه يكره العرب أكثر من الموت.
وللشامتين بسوريّة نقول: إيران داست على التكنولوجيا الأمريكيّة بإسقاطها طائرة التجسّس الأكثر تطورًا وتقدّمًا في العالم، وسجلّت بذلك انتصارًا بالنقاط ضدّ واشنطن، التي أرغت وأزبدت، وهدّدّت بتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لطهران، بتشجيعٍ من إسرائيل ودولٍ خليجيّةٍ، وفي مُقدّمتها السعوديّة، فلماذا لا تسألون سمسار أمريكا، دونالد ترامب، لماذا لم ترُدّ على الـ”عدوان” الإيرانيّ؟ علمًا أنّ أمريكا هي الدولة الأعظم من جميع النواحي في العالم؟ ولمَ لا تسألونه لماذا يلتقي بزعيم كوريا الشماليّة ويسعى للتفاوض معه، في حين أنّه يفرِض العقوبات الاقتصاديّة الخانِقة على الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، ويضع شروطًا تعجيزيّةً للتفاوض معها بهدف تركيعها؟ الجواب باعتقادنا المُتواضِع نابعٌ بالدرجة الأولى من أنّ كوريا الشماليّة لا تُشكِّل تهديدًا تكتيكيًا أوْ إستراتيجيًا على دولة الاحتلال الإسرائيليّ، فيما تُعتبر طهران العدوّ الأوّل للكيان ولا تُخفي طموحها لشطبه عن الخريطة، وهنا مربط الفرس، وهذا بيت القصيد.
ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: لماذا لا يسمح بوتن للرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد، بالدفاع عن بلاده مُستخدِمًا صواريخ إس 300؟ نسأل من مُنطلِق حرصنا على هذا سوريّة، قلب العروبة النابِض، وليس دقّ الأسافين بين حليفين! نسأل لأننّا بتنا على قناعةٍ تامّةٍ بأنّ إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوّة، فها هي المٌقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة لقنّت إسرائيل دروسًا في الحروب، وأمطرتها بمئات الصواريخ، من إنتاجٍ محليٍّ، خلال أقّل من 24 ساعةٍ، الأمر الذي دفع قادة الكيان إلى الاستجداء من أجل التهدئة، مُقرّة على لسان مسؤوليها وقادتها بأنّ قوّة ردعها لم تتآكل فقط، بل اختفت عن الوجود، والشيء نفسه يُقال عن حزب الله، الذي مرّغ أنف الدولة العبريّة في التُراب خلال عدوان صيف العام 2006، ومنذ ذلك الحين، لم تجرؤ هذه الدولة المارِقة بامتياز والمُعربِدة مع علامة الجودة، لم تجرؤ على إطلاق رصاصةٍ واحدةٍ باتجاه بلاد الأرز، لأنّ حزب الله، بات يُقرِّر قواعد اللعبة والاشتباك، علمًا أنّ العلاقات الدوليّة محكومة بموازين القوّة.
سوريّة سترُدّ على الانفلات الإسرائيليّ ضدّها، ولكن لن تتهوّر في اللجوء إلى خيار الحرب، في الوقت الذي خانها السواد الأعظم من الأنظمة العربيّة، وبات يُهروِل للتطبيع مع كيان الاحتلال، الذي أقٌيم على أرض فلسطين، في أقذر وأخطر جريمة في التاريخ، سوريّة سترُدّ الصاع صاعين، ولكنّها لن تنجرّ وراء الاستفزازات الإسرائيليّة، التي تهدِف لإشعال فتيل الحرب الأخيرة في المنطقة من ناحية، وتصدير أزماتها الداخليّة من الجهة الأخرى.
ولنتذكّر جميعًا، وبشكلٍ خاصٍّ، أولئك “المحروقين” على سوريّة، فليتذكّروا مقولةٌ نابليون “ما أسهل أنْ تكون شُجاعًا وأنتَ بعيدًا عن أرض المعركة”، الردّ السوريّ آتِ لا محال، وحالة الغليان التي تسري في دمشق لا يُمكِن إلّا أنْ تنفجِر، وعندها سينضّم حزب الله والمُقاومة الفلسطينيّة في غزّة، وربمّا إيران أيضًا، للمعركة الفاصِلة التي ستؤدّي إلى تغييراتٍ كبيرةٍ وإستراتيجيّةٍ في الشرق الأوسط.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/07/03