السياسة... بالسياسة!
فاديا مطر
لم تسعف سياسة لفّ الحبال الأوروبية على خطوات إيران التصعيدية بعد نفاذ مهلة الستين يوماً الممنوحة، فالتحايل الذي اعتمدت عليه أوروبا في محاولات ضبط التمهّل الإيراني لحدّ التوقف كان فاشلاً، رغم القناة المالية المطروحة من قبلهم «انيستيكس» التي أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنها غير كافية لتنفيذ التعهّدات الأوروبية في سياق الاتفاق، وأنها أصلاً غير موجودة كطرح في سياق مبادلة جملة البضائع التي يجب أن تبادلها طهران بنفطها، لا بل كان الردّ الإيراني برفع مستوى التخصيب في 7 تموز خطوة أقسى من التلويح بعقوبات جديدة أميركية ضدّ طهران، وهي نسخة مجرّبة سابقاً وقد أثبتت فشلها لاحقاً، إلا أنّ المرحلة التصعيدية لإيران شابتها توترات جديدة أضافت بعداً دراماتيكياً لتصعيد إيراني أكبر تطلب من فرنسا السرعة في تسريع الخطوات لتدارك أيّ انزلاق خطر بعد إسقاط طائرة التجسّس الأميركية المتطوّرة في المياه الإقليمية الإيرانية، لتتبعها قرصنة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية من قبل بريطانيا في مضيق جبل طارق برعاية أميركية، فالخطوات النووية الإيرانية المخفضة للالتزام بالاتفاق النووي تحت مراقبة الوكالة الدولية الطاقة الذرية كانت السقف الذي جلب أوروبا فرنسياً في عجلة الى طهران عبر مستشار الرئاسة الفرنسية ايمانويل بون في 9 تموز الجاري ليحلّ بحسب التصريحات الفرنسية كوسيط لتقليل حدة التواترات بين طهران وواشنطن.
لكن الجدلي في القصة يكمن بالتمسك الأوروبي بحدّ من التخفيضات المرعبة تصلح عنواناً يخفف النتائج النهائية ربما لخروج إيراني من الاتفاق، فمعدل 20 في المئة الذي أعلنت عنه طهران بعد المهلة الثانية هو خطوة أكثر من متقدّمة في صياغة مشاركة الأطراف الأوروبية جدياً بالالتزام وبموافقة روسية وصينية، وهو ما يسيطر على مناخ الزيارة الفرنسية عملياً، فالأوروبيون يعلمون عمق تداعيات احتجاز الناقلة في المياه المتوسطية وما يمكن أن يشكل الردّ الإيراني بالمثل إذا ما حدث، لكن تلاقي الخطاب بالفعل هو ما تخشاه الدول الأوروبية عملياً خصوصاً بعد رسم الخطوط المتقدّمة إيرانياً من قبل القيادة الإيرانية لما يمكن أن يطال مضيق هرمز والمضمون الذي يشكله من حرب المضائق.
فالمعادلة التي تلزم طهران بتقديم تنازلات تطال ضمانات بدفتر شروط أميركي باتت وراء متناول اليد أوروبياً وهي التي بدأتها واشنطن بتصعيد عسكري في الخليج لم تستطع فيه اختيار خيار الحرب أوحتى الردّ، وقبول إيران براقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضع المجتمع الغربي برمّته في إحراج ميدان السياسة، وهي خيارات ربما تزيد الحرب السياسية المشتعلة أصلاً والتي يمكن أن تتوجه نحو سوق الطاقة برسائل مثل حجز ناقلات نفط بريطانية أو الردّ في مكان وزمان لا يناسب آمن سوق النفط، في مقابل المتعهّدين الخليجيين لتدارك نقص نفط إيران في السوق وما يعانوه من سقوط الهيبة في الردّ على حرب اليمن التي تتعاظم فيها المعادلات التكتيكية والإستراتيجية للجيش اليمني واللجان الشعبية في تعميق استهداف ما حواه بنك الأهداف الحيوي والعسكري في قصف محطة تهامة الكهربائية وإخراج مطاري أبها وجيزان من الخدمة، وما سبقه من خطوط ينبع ليتمّ الكشف عن أنظمة صاروخية وطائرات مسيّرة محدثة في دخول المرحلة المقبلة التي تعقب الجملة الثانية من بنك الأهداف في السعودية والإمارات، وهو ما بدأت مؤشراته تظهر في الإنسحاب الإماراتي من بعض المواقع العسكرية في اليمن وتسليمها لمجموعات مرتزقة إرهابية، وهي فرضية تبقي الحليف السعودي وحيداً في ميدان الاستهدافات العسكرية اليمنية وتتبعه جملة الخسائر.
فالبحث في فشل التحالف السعودي سيطال إبطال صفقات سلاح مورّدة للرياض قريباً، وهو خيار لا تحبّذه الإمارات لتكون في تفاصيله، عوضاً عن خسائرها اليومية في معارك أنصار الله والجيش اليمني وما تفقده من توازن القوة في المعادلة الإقليمية حتى الآن، فالسياق متصل لوكلاء واشنطن في معادلة الخسارة في اليمن من خروج أغلب دول التحالف السعودي من ميدان الدعم في اليمن، وبقاء أبو ظبي منفردة في معادلات الخسارة في ليبيا والسودان وسورية، وهو يعبّر عن ضياع القرار في الرهانات الخليجية، فالمنطقة هامة كثيراً لواشنطن وبريطانيا في الردّ على إيران، والتصعيد المتبادل لن ينجو منه حلفاؤهما على ضفة الخليج، وهو ما يقيس معدل التسارع الأوروبي في سباق التخفيف من التواترات، والرغبة بسياق سياسي يقابل ما تسلكه طهران حتى الآن بعد العجز الأميركي في الردّ والتعامل عبر التهديدات بمنطق الحرب الفارغة التي توظفها إدارة ترامب انتخابياً، وهي قراءة أوروبية بدت علنية في بعض المحطات، ومضافاً لما أعلنه مجلس الأمن القومي الروسي من دعم مالي ونفطي لإيران في السوق العالمية كان يحذو حذو القراءة الأوروبية في ذات المشهد بعد فشل قناة «انيستيكس» التي ربطت نفسها بحلول لم تنفع بردّ التصعيد الإيراني، فمقابلة السياسة بالسياسة هي خيار أوروبي بات على الطاولة فعلياً، وتتبعه محطات ربما تحاول ألا تلقى مصيرها كما في المهلة الممنوحة سابقاً، ليكون فقد الخيارات الدولية تجاه طهران عنواناً عريضاً لعودة السياسة المنقحة تجاه إيران التي ما زالت تقرأ تطورات المنطقة بالتحذيرات والخطوات المعلنة سياسياً، في مقابل ما باتت تدركه أوروبا بأنّ واشنطن فشلت في توظيفاتها العسكرية والسياسية والاقتصادية على جملة خطوط عريضة كانت تشكل رداً استباقياً يشمل حتى حلفاءها، فهل التسارع الأوروبي سيكون استجابة للتحذيرات الإيرانية في تقويم الالتزام تجاهها؟ أم أنّ الحاسة السادسة لفرنسا جعلت تقديم الألويات سياسية خلافاً لطريقة بولتون في العالجات؟ هي ما ستمنحه المهلة الثانية من إعادة نظر في تطورات الخليج الذي يحتاج فعلياً لتكثيف صيغ ترضي إيران وتعوّض ما حنثت به بريطانيا منذ قبل التاريخ حتى اللحظة!
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/07/12