الرد الإيراني بعد احتجاز ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق.. هذه القوة التي نريدها اليوم
فوزي بن يونس بن حديد
بعد أن أعلنت إيران أنها حجزت ناقلة نفط بريطانية استشاطت بريطانيا غضبا وهددت وزمجرت وأزبدت وأرعدت، ونسيت هي الأخرى أنها احتجزت ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق، وجاءت هذه الأحداث بعد أن شهد مضيق هرمز عدة تحركات لاستفزاز إيران في المنطقة، وربما كان تصرف إيران يتمثل في المعاملة بالمثل وهو ندر ما نشاهده في عالمنا الإسلامي اليوم الذي يشهد انتكاسات ونكبات الواحدة تلو الأخرى، اليوم وبعد احتجاز الناقلة البريطانية تبين أن إيران ليست سهلة كما يعتقد جون بولتون ونتنياهو وغيرهما، وأنها تعامل الدول القوية كأمريكا وبريطانيا وفرنسا حسب ما يقتضيه الوضع الند بالند والمثل وبالمثل، وهذه هي القوة التي نريدها، وهذه هي المعاملة التي نبتغيها حتى يفهم الغرب أن هناك قوة إسلامية في المنطقة لا يقدرون على زعزعة استقرارها.
وبهذا التصرف العقلاني الإيراني أُجبر الرئيس الأمريكي على معاملة إيران معاملة دبلوماسية، لأن لغة التهديد التي كان يطلقها الرئيس الأمريكي سواء على تويتر أو في المنابر الإعلامية لم تؤت أكلها ولم تؤثر على إيران لا من قريب ولا من بعيد بل زاد ذلك إيران إصرارا على المواجهة المباشرة والإظهار بمظهر القوي المعاند الذي يقف صامدا في وجه أي تهديدات مباشرة أو غير مباشرة، وتتبع سياسة السن بالسن والبادئ أظلم، فلم تكن إيران هي المبادرة لإثارة المشاكل في المنطقة وتحديدا في مضيق هرمز فهي تدرس الأوضاع جيدا وتعامل الآخرين وفق ما يعاملونها به، وبالتالي لا أحد يلومها على ما تقوم به من أعمال تعتبرها أمريكا وبريطانيا استفزازية.
وأمام هذه القوة الإيرانية التي نفتخر بها اليوم لأنها تضاهي القوة الأمريكية والبريطانية والأوروبية عموما باتت إيران تفاوض من منطلق قوة، وتحاول أن تفرض وجهة نظرها المتمثلة في تبادل الاحترام، لا توجيه الاتهام وفرض عقوبات اقتصادية صارمة من أجل تركيعها، فالذي لم يفهمه الغرب اليوم أن إيران قوية وأنها لا تسمح لأي قوة في العالم بإهانتها أو التعدي على حقوقها، وقد ظهر ذلك جليا في حادثة الطائرة المسيرّة التي تراقب البارجة الأمريكية، ففي حين أعلن ترامب إسقاطها تنفي إيران ذلك مدعمة نفيها بصور التقطتها من الطائرة نفسها للسفينة الحربية في مياه الخليج، وبالتالي تبقى هذه المعادلة قائمة بين إيران والغرب إلى حين الوصول إلى اتفاق نهائي يمكن أن ينزع فتيل حرب مدمرة في المنطقة لن يكون الرابح فيها أحد، وبالتالي لا بد من التفكير جديا في ما يخص الملاحة البحرية العالمية، لأن العالم كله يعتاش من السفن التجارية التي تنقل البضائع عبر مضيق يمكن أن تتحكم فيه إيران بسهولة، مع عدم وجود بديل حقيقي يمكن أن يغني العالم عنه.
وأمام هذه التجاذبات السياسية تبقى المنطقة على صفيح ساخن ما لم تكن هناك مفاوضات حقيقية بين إيران وأمريكا، ر غم أن هناك مساعي حقيقية يقودها نواب أمريكيون وأكثرهم ديمقراطيون يحثون الإدارة الأمريكية الحالية بالتوجه إلى مفاوضات والكف عن العبث والتحرش بإيران، فقد ظهرت إيران وعبر صور الاستفزاز التي أقدمت عليها أمريكا أنها رقم صعب جدا في المنطقة لا يمكن التعامل معه بسهولة، خاصة إذا علمنا أن روسيا تقف في الوسط أو تميل أكثر إلى الجانب الإيراني وتعتبر خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني هو السبب الأساس والرئيس وراء هذه الاضطرابات التي نشهدها اليوم، وما لم تفك أمريكا طلسمها المتعلق بالاتفاق مع ايران فإن نذير الحرب قائم لا محالة.
إيران اليوم أثبتت جدارتها وقوّتها أمام العالم، أثبتت أنها قوة إسلامية كبرى في المنطقة والعالم، ولا تستطيع أي قوة أخرى أن تواجهها، لأنها تعامل عدوها بالمثل، والغنم بالغنم والغرم بالغرم، وهي سياسة يفهمها العدو في المنطقة جيدا، لذلك هو لا يقدر على المواجهة المباشرة لأن الخسارة ستكون حتما حليفه إن أقدم على خطوة غبية وحمقاء، فهل يمكن أن نرى تحالفات جديدة في المنطقة واحد يحمي السفن التجارية وآخر يراقب الوضع عن كثب، وإيراني يسيطر على الوضع ولا يسمح بأي اعتداء وأي اختراق لمجاله الجوي والبحري، أو نرى اتفاقا جديدا بين إيران وأمريكا لتهدئة الأوضاع يكون متوازنا ويخدم الطرفين مع بعض التنازلات يلوح في الأفق بل أعتبره أمرا لا مفر منه.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/07/21