آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

العرب غائبون عن الصراع الدولي على إدارة «أمنهم»!

 

د. وفيق إبراهيم

يشعر المتابعون بأن الخليج يقع على بعد عشرات آلاف الأميال عن المنطقة العربية التي تتعامل دولها مع الصراع الدولي عليه بتجاهل حيناً أو باستتباع كامل للمشاريع الغربية حيناً آخر.

وهذا يشمل أيضاً كامل بلدان الجانب العربي من الخليج الذي لا يرى في هذا الصراع إلا خطراً إيرانياً يمنياً أوكل للغربيين مهمة القضاء عليه، ونام بأمان على وسادة الأحلام وسط انهمار كثيف لمقترحات تطرح حلولاً لإدارة الأمن في الخليج.

لقد وصلت هذه المقترحات حتى الآن إلى أربعة، لكنها قابلة للازدياد وهي أميركية أساساً تطرح حلفاً مع دول الخليج ومصر والأردن و»إسرائيل».

وبريطانية تريد جذب أوروبا بزعم استقلالية أوروبية تنتهي وكعادتها في أحضان الأميركيين.

أما الاقتراح الثالث فهو روسي يتعامل مع الموضوع بعمق يُلبي حاجات الصراع الروسي الأميركي إلى ثنائية دولية من جهة وأمن الخليج العربي الإيراني من ناحية ثانية ويذهب في الوقت نفسه إلى مبادرات تطمئن الدول العربية في الخليج على مستقبلها السياسي من جهة ثالثة.

هناك أيضاً مبادرة إيرانية عملية، لكنها موجهة إلى أطراف لا تريد أن تسمع وتبدو كمن ألصق الأميركيون سدادات في فتحات آذانها لمنعها من السمع، حتى إشعار لم يحن وقته بعد.

هذه المبادرة تتعامل مع الدول العربية في الخليج على أساس أنها قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة وربما تريد المزيد من كشف ارتباطها بالأميركيين إلى درجة إلغاء حركتها السياسية خارج ممالكها.

تطرح المبادرة الإيرانية معاهدة عدم اعتداء بين دول الخليج على أساس تشكيل قوة بحرية من الجانبين العربي والإيراني ترعى الأمن الخليجي من شط العرب في العراق إلى رأس البحر الأحمر قبالة الحدود البحرية للسعودية مع الأردن ومصر. وهذا يشمل الأمن المشترك في مضيق هرمز وبحر عدن بفرعيه نحو المحيط الهندي أو البحر الأحمر مروراً بباب المندب.

إن هذه المبادرة تجمع بين سياسة إلغاء العداء الإيراني الخليجي وسياسة خلق أمن بحري محلي يعيد لدول الخليج مكانتها في العالم بما يوازي جزءاً من أهمياتها الاقتصادية.

فإذا كانت قلقة على ممالكها وإماراتها، فإن هذا الاقتراح أكثر من إعلان إيراني بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للقسم العربي من الخليج تاركاً لتفاعلاته الداخلية تحديد مصالح الشعوب وإداراتها السياسية.

كما أن حرصها على تصدير ثلث نفط العالم العربي الإيراني يتأمن بحراسة خليجية صرفة قادرة بقوارب بحرية صغيرة على تأمين ملاحة سليمة من أي أذى. المهم هنا أن تكون النيات موجودة والأهداف سليمة والمصالح متوفرة.

لذلك تبدو هذه المبادرة منطقية في الحسابات العلمية لدول تمتلك حرية قرارها، وهذا ليس متوفراً عند بلدان الخليج المنصاعة للنفوذ الأميركي والدليل أنها ردت على هذا الاقتراح بمطالبة الغرب بالقضاء على الإرهاب في اليمن ومراقبة إيران.

هل هناك مبادرات أخرى؟

يعتقد الأوروبيون بأن فرصتهم للعودة الى الخليج الاقتصادي أصبحت وشيكة ما يجعلهم يحاولون إعداد ورقة بأمن خليجي ترعاه أوروبا بشكل كامل إنما بتنسيق مع دول المنطقة الخليجية وليس معادياً لإيران.

لقد تلقف الأميركيون هذه الجهود الأوروبية ساعين وبسرعة إلى إفراغها من خصوصيتها كمشروع استقلالي أوروبي طامح للعودة إلى العالم بمحركات القارة العجوز.

فها هو رئيس الحكومة البريطاني الجديد بوريس جونسون يستقرّ في إدارة انجلتره باستسلام كامل للسياسة الأميركية يصل إلى حدود المزايدة عليها ومع احتمال نجاح رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو بالانتخابات المقبلة، فإن حلفاً أميركياً يضم إلى حلقاته رؤساء بوزن جونسون ونتنياهو كفيل بتحويل التصعيد في العالم إلى مشاريع حروب فعلية لا تحتاج إلى أمن خليج أو حرية ملاحة.

ألا تندرج في هذا الإطار محاولات القيادة المركزية للجيش الأميركي التي تعكف حالياً على تشكيل قوة متعددة الجنسية بقيادة أميركية لإدارة الأمن الملاحي قبالة إيران واليمن حصراً. وهذا ما جاء حرفياً في تصريح رئيس أركان القيادة المركزية الأميركية جوزيف دانفور الأمر الذي يوضح أن مهمة هذه القوة هي خنق إيران واليمن كتتمة للعقوبات المفروضة عليهما والإمساك الكامل بمضيق هرمز الإيراني وباب المندب قبالة الساحل الغربي لليمن.

والمضحك أن دانفور يؤكد أن بلاده لا تستهدف بهذه التدابير إثارة حرب مع إيران، التي يجب عليها كما يرى الأميركيون أن تسكت على مشروع خنقها ومحاولة افتراس اليمن.

هناك إذاً صراع مشاريع لن يبقى منها في الميدان إلا الاقتراح الروسي المتكامل والمشروع الأميركي الذاهب إلى المزيد من التوتير والاحتراب، إنما مع حروب فعلية مرجأة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020 من جهة والاستمرار في ابتزاز دول الخليج من جهة ثانية، من دون نسيان ما ذكره ترامب حول ضرورة أن تدفع الصين واليابان للأميركيين مقابل حماية صادراتهم الخليجية من النفط من ناحية ثالثة.

يتسم هذا الصراع بغياب كامل لدول المنطقة التي تنافس عليها المحاور العالمية.

فأين السعودية والإمارات والكويت وعُمان والبحرين وقطر والعراق من مشاريع تزعم أنها تريد تنظيم أمنهم الملاحي؟ ولماذا تقاوم إيران هذا الاستعمار الغربي الجديد بمفردها وهم نيامٌ غافلون؟ وكيف تتمكن سورية من الصمود في وجه هذه الأحلاف الدولية وهم عاجزون حتى عن مجرد إبداء الرأي؟ ويستعملهم الأميركيون تغطية لمشاريعهم.

الخليج إلى أين؟ يرتبط استقراره بمدى الصمود الإيراني على أن تزيد روسيا من إيقاعها البطيء وتترك نظريات العلاقات الحسنة مع جميع الأطراف والتروي، لان دعم إيران هو إسناد كبير للتقدم الروسي الصيني نحو مراكز القرار العالمي، الأمر الذي يدفع نحو تراجع اكبر ومطلوب للأحادية الأميركية. 

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/07/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد