بريطانيا في مصيدة إيران
عبد الحكيم مرزوق
لقد سقطت بريطانيا في المستنقع وحيدة وهي تُجاهِد للخروج منه بأسلوبٍ يحفظ ماء وجهها ، ووحدها كانت فرنسا مُدرِكة للعبة الخاسِر والرابِح فمضت وراء مصالحها من دون أن تتورَّط في أعمالٍ تسقط فيها هيبتها الدولية كما فعلت بريطانيا التي وقعت بين عدَّة خيارات لا يمكن التنبؤ بها كونها تعيش مرحلة انتقال سياسي ستبدو ملامحها الواضحة في المستقبل القريب.
هل يمكن القول إن بريطانيا وقعت في المصيدة التي نصبتها لها الإدارة الأميركية لمواجهة إيران حتى تقعد وتتفرَّج عليها؟، وكيف ستخرج من الأزمة التي وضعتها فيها بعد أن كادت الإدارة الأميركية أن تيأس من إركاع الجمهورية الإسلامية على الرغم من الحصار الاقتصادي؟ والعقوبات التي فرضتها ؟ وإعلان دونالد ترامب عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي حتى يفرض شروطاً جديدة تُلائم نزعته الاستعمارية والعدوانية من خلال جرّ الجمهورية الإسلامية لمفاوضاتٍ جديدةٍ تخضع من خلالها لإملاءات سيّد البيت الأبيض وتُرضي غروره الذي لم يجد أية استجابة، حتى كاد أن يستجدي ويستميت للجلوس مع القادة الإيرانيين مُتنازِلاً عن شروطه التي وضعها في البداية، لتكون المفاوضات من دون شروط، ما أدخل سيّد البيت الأبيض في إحراجٍ لم يعهده هو و إدارته التي اعتادت على فرض إملاءاتها وشروطها أمام العالم كله.
السيناريو الجديد وقعت فيه بريطانيا وتورَّطت باحتجاز الكوماندوس البريطاني ناقلة نفط إيرانية تحت جنح الظلام بحجّة نيّة ذهابها إلى سوريا وتجاوز العقوبات الأوروبية، مع الإشارة إلى أن إدارة مضيق جبل طارق عدّلت قوانينها الملاحية بما يتناسب مع عقوبات الاتحاد الأوروبي قبل ساعات فقط من مرور الناقلة، وهذا يعني وجود نيّة مُبيَّتة من بريطانيا بإشارةٍ أميركيةٍ للتحرّش بإيران على ضوء التوتّر بين واشنطن وإيران لزيادة الضغط عليها وإجبارها على الخضوع للشروط الأميركية للجلوس على طاولة المفاوضات ، ولكن القيادة الإيرانية عالَجت تلك الأزمة بكثيرٍ من الهدوء، فقد أكّد قائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام السيّد علي الخامنئي أن طهران ستردّ على احتجاز بريطانيا لناقلة النفط عندما تُتاح الفرصة وفي المكان المناسب، وعلى الرغم من التوتّرات التي تصاعدت في الخليج والاستفزازات التي قامت بها أميركا وحلفاؤها كنوعٍ من زيادة الضغط على إيران حيث زعمت بريطانيا وأميركا باقتراب زوارق إيرانية من ناقلة نفط بريطانية، الأمر الذي نفته إيران جملة وتفصيلاً لأنها لم تجد الوقت ولا الفرصة المناسبة لذلك، وقد أصدرت المنطقة الخامسة للقوات البحرية في الحرس الثوري آنذاك بياناً أوضحت فيه وبكل صراحة أنه في حال وجود أوامر بوقف ناقلات نفط في مياه الخليج فإن القوات البحرية في الحرس الثوري قادِرة في نطاقها الجغرافي على تنفيذ تلك المهمة من دون تردّد وبحزمٍ وبسرعة.
وعلى الرغم من الحرب الإعلامية التي مارستها الإدارة الأميركية لإيهام العالم بسيطرتها على المياه في منطقة هرمز، حيث تحدَّثت تقارير عن عَزْمِ الولايات المتحدة اتخاذ إجراءاتٍ عسكريةٍ لحماية أمن الملاحة البحرية في الخليج، إلا أنها لم تمنع طهران من أخذ القرار حيث أعلن الحرس الثوري الإيراني عن مُصادرة ناقلة بريطانية أثناء مرورها في مضيق جبل هرمز بعد أن صدرت التعليمات، واعتبر أن سبب احتجاز الناقلة هو عدم إتباعها قواعد الملاحة الدولية، وهذا ما أثار حفيظة بريطانيا التي هدَّدت وتوعَّدت في الليل وفي صباح اليوم التالي تراجعت وتغيَّرت لهجتها بعد أن وجدت نفسها وحيدة في الميدان وتخلّي الإدارة الأميركية عنها، حيث كانت واشنطن تمارس اللعب على أوتار جرّ لندن إلى المستنقع وتوريطها بمأزق مواجهة إيران نيابة عنها، ورفعت منسوب تهديداتها رغم إقرارها بعجز أسطولها عن حماية مصالحها، واستنجدت بشركائها الأوروبيين لتشكيل ما يُسمّى ببعثة أوروبية لحماية أمن الخليج تماشياً مع الأوامر الأميركية السابقة، فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت ضرورة اتخاذ إجراءات لضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز، وأضاف أن ليس بإمكان القوات البحرية المَلكية مُرافقة كل سفينة في مضيق هرمز، وأقرّ وزير الحرب البريطاني توبياس الوود أن البحرية البريطانية صغيرة جداً بحيث لا تضمن مصالح الدولة في جميع أنحاء العالم، والسؤال هنا إذا كانت بريطانيا عاجِزة عن حماية ناقلاتها فكيف تتطاول وتعتدي وتحتجز ناقلات دول أخرى ؟ هل هي النزعة الاستعمارية ؟ أم هو السير الأعمى خلف الإدارة الأميركية؟
التي أرادت تحقيق مصالحها بجرّها إلى هذا التصرّف الأرعَن والذي رفع عنها ورقة التوت التي كانت تستر عورتها، والأنكى من ذلك أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اعتبر أن حماية السفن البريطانية مسؤولية المملكة ذاتها، وهذا يعني تخلّي الإدارة الأميركية عن حليفتها في الأعمال الإرهابية والاستعمارية لسنواتٍ طويلةٍ وتركتها تواجه أزمتها وورّطتها مع الجمهورية الإسلامية وحيدة، والأهم من كل ذلك تصريح دونالد ترامب الرئيس الأميركي الذي قال: لن نؤدّي دور الشرطي في مضيق هرمز لحماية دول غنية كالسعودية والإمارات، في إشارة إلى دفع المزيد من الأموال للإدارة الأميركية التي تنهب أموال دول الخليج تحت حجَّة حماية أمنها واستقرارها.
وبعد: لقد سقطت بريطانيا في المستنقع وحيدة وهي تُجاهِد للخروج منه بأسلوبٍ يحفظ ماء وجهها، ووحدها كانت فرنسا مُدرِكة للعبة الخاسِر والرابِح فمضت وراء مصالحها من دون أن تتورَّط في أعمالٍ تسقط فيها هيبتها الدولية كما فعلت بريطانيا التي وقعت بين عدَّة خيارات لا يمكن التنبؤ بها كونها تعيش مرحلة انتقال سياسي ستبدو ملامحها الواضحة في المستقبل القريب.
لصالح موقع الميادين نت
أضيف بتاريخ :2019/07/28