الحج والعمرة وتنويع مصادر الدخل
فائز صالح جمال
تعالت أصوات في الآونة الأخيرة مطالبة بتنويع مصادر الدخل.. وهذا التنويع مطلب قديم متجدد في أدبيات الاقتصاد الوطني لم يتجاوز خلال العقود الماضية منطقة التنظير والكلام دون تطبيق أو تحقيق على أرض الواقع.. وأعني بالتحديد مصادر الدخل الوطني وليس دخل الحكومة فقط.
فالحكومات تسعى إلى تنويع مصادر دخلها من خلال ثرواتها الطبيعية والرسوم والضرائب وتنميتها. وتنويع مصادر دخل الحكومة وتنميتها يرتكزان كذلك على تنويع وتنمية مصادر دخل الاقتصاد الوطني ككل من خلال ما تحصل عليه من رسوم وضرائب مما تحققه منشآت قطاع الأعمال.
وهناك حديث متنام حول العناية بالحج والعمرة في سياق تنويع مصادر الدخل وتعويض انخفاض أسعار البترول.. وهنا لا بد من التأكيد على أن الحج والعمرة ليسا مصدرا جديدا للدخل كما قد يظن البعض، فهما مصدر قديم متجدد ودائم لدخل اقتصادنا الوطني، بل ولعلهما من أهم مصادر الدخل، إذا يقدر البعض هذا الدخل بما يقارب المئة مليار ريال سنويا، وعليه فالحديث اليوم لا بد أن ينصب على كيفية تنمية دخلهما أفقيا ورأسيا. أفقيا بزيادة أعداد الحجاج والمعتمرين، ورأسيا بتنويع وزيادة ما يقدم لهم من سلع وخدمات.
ولدينا مصادر دخل أخرى معطلة لأسباب عدة، منها أسباب إدارية وتنظيمية، وأخرى متعلقة بالحس الأمني..
فلدينا مصدر الصناعة عموما، والصناعات المتوسطة والصغيرة على وجه الخصوص، فقد خفت وهج العناية والدعم الحكومي للصناعات الوطنية منذ مدة، ولم تعد تحظى بما تستحقه من عناية كأحد مصادر الدخل الوطني المهمة.. بل العكس هو الصحيح فقد تعرضت الصناعة لضغوط هائلة جراء برامج السعودة المرتجلة ومن رفع كلفة العمالة وإلغاء دعم الكهرباء عن بعضها..
وإذا انتقلنا لمصدر مهم آخر من مصادر الدخل وهو السياحة، سنجد أنها بشكل عام لا زالت تراوح عند حدود السياحة الداخلية التي لا تضيف للاقتصاد الوطني شيئا من خارجه، وأن البيروقراطية وتضخم الحس الأمني وقفا عقبة كأداء أمام حركة السياحة من الخارج، ولم ننجح حتى الآن في إزاحة هذه المعوقات برغم مثول تجارب رائدة في مجال السياحة كتجربة دبي التي ذللت كل المعوقات أمام السياحة، فأضحت أيقونة عالمية في مجال السياحة..
وعندما أتحدث عن السياحة فإنني لا أقصر ذلك على سياحة الترفيه، وإنما أعني بذلك أنواع أخرى من السياحة مثل سياحة الآثار وسياحة المؤتمرات وسياحة المعارض وسياحة التدريب وسياحة العلاج.. إلى آخره.. وكل مقومات هذه الأنواع من السياحة متوافرة لدينا وفرص النجاح فيها واعدة..
لدينا كذلك مجال خدمات المناطق الحرة وإعادة التصدير التي لم تحظ بما تستحقه، برغم ما تملكه المملكة من موقع جغرافي استراتيجي يتوسط دول الشرق والغرب والشمال والجنوب وسواحل ممتدة على البحر الأحمر والخليج العربي.. وللتدليل على ذلك نجد أن طاقة أكبر موانئ المملكة وهو ميناء جدة الإسلامي حوالي ستة ملايين حاوية، بينما ميناء جبل علي في دبي تجاوز الأربعين مليون حاوية، في حين أن موقع ميناء جدة أميز بكثير من موقع ميناء دبي على طريق التجارة العالمية.
ولدينا كذلك مصدر دخل من إنتاج وبيع الطاقة الكهربائية، وهو ما أوصى به مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق في إحدى المناسبات، وفي حضرة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وكان في سياق التوصية بيع البترول بعد تحويله إلى طاقة بدلا من بيعه خاما بأثمان منخفضة، ولعل الوقت حان لتحقيق الفكرة.
وكل هذه المصادر تستجلب أمولا من الخارج، وتخلق فرص عمل إضافية للمواطنين، ولها صفة الاستمرارية والاستدامة..
وأخيرا أقول لا بد لنا من تحديد هويتنا الاقتصادية ومصادر دخلنا المتنوعة الأساسية، ومن ثم إعداد برامجنا التعليمية والتأهيلية والتنظيمية التي تدعم نجاحها واستدامتها لصالح الشعب.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/03/21