السعودية في عدن.. سياسة حاطب ليل
صلاح السقلدي
الأحداث الدراماتيكية المتسارعة التي تجري تباعاً بحاضرة جنوب اليمن” عدن”، والمتمثلة بالاشتباكات العسكرية بين قوات موالية للسلطة اليمنية المدعومة من السعودية والمسماة بالشرعية، وبين قوات عسكرية موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المسنود من الإمارات العربية، والتي جرت بالأيام القليلة الماضية والتي حُــسمتْ لمصلحة الانتقالي الجنوبي وطرده لقوات السلطة اليمنية من معسكراتها، وتفاقم الأزمة السياسية بين الطرفين، فضلاً عن تدهور الأوضاع الخدمية والمعيشية والأمنية، وانهيار قيمة العُـملة المحلية” الريال” الى مستوىٍ غير مسبوق بعموم اليمن وبالذات بالمناطق التي يقول التحالف” السعودية والإمارات” أنها مناطق محررة… كل هذه التطورات وغيرها، تمثّــل أدلة ناصعة على فشل التحالف عسكريا وسياسيا باليمن تجعل السعودية تفكّـــر جيدا بوقف الحرب ولو بشكل تدريجي وغير مباشر يحفظ لها ماء الوجه لئلا يبدو الفشل واضحاً، ولتتفادى رغبة الرئيس الأمريكي “ترامب” الحريص على استمرار هذه الحرب المربحة للخزانة الأمريكية، والتوجه صوب المفاوضات والتسوية السياسية الشاملة ،خصوصا بعد أن أضحت الإمارات من الناحية العسكرية خارج التحالف بعد قرارها بالانسحاب من المحافظات الشمالية.
فالتحولات الكبيرة التي جرت بالآونة الأخيرة في عدن وعموم المحافظات الجنوبية لمصلحة قوى جنوبية تطالب باستعادة دولة الجنوب السابقة، وقلبت سببها الأمور هناك رأسا على عقب، وجدت السعودية نفسها في مأزقٍ حقيقي ،وهي ترى السلطة اليمنية التي تتخذ من شرعيتها مبررا قانونيا أمام المجتمع الدولي للحرب باليمن تضمحل وتختفي من المشهد في الجنوب والشمال على حدٍ سواء. وهذا الأمر يعني بالضرورة للسعودية انتهاء المبرر القانوني والتفويض الأممي لحربها باليمن, هذه الحرب التي قالت الرياض أنها تشنها بطلب من السلطة الشرعية اليمنية لإعادتها الى الحكم في صنعاء وإسقاط الحركة الحوثية هناك, وهو الأمر الذي لم يتحقق .
ولتدارك هذا الوضع والإفلات من مأزق قانوني يتهددها وينسف قانونية حربها باليمن وجدت السعودية نفسها في صدام مباشرة مع القوى الجنوبية التي تتخندق بخندق التحالف منذ بداية هذه الحرب ،ونقصد هنا ” المجلس الانتقالي الجنوبي “,الذي أطاح قبل أيام بما تبقى من حضور للسلطة اليمنية الضعيفة في عدن، وسيطر على المقر الرئاسي ومقر الحكومة في منطقة “معاشق” أقصى جنوب المدينة.والسيطرة على هذا المقر له مدلول سياسي كبير، شكّــل صدمة للسلطة اليمنية , وصل الصدام الى صدام عسكريا حين استخدم الطيران السعودي غارات ضد قوات المجلس الانتقالي بالمواقع العسكرية التي انتزعها من هذه السلطة باشتباكات الأيام الماضية ومنها المقر الرئاسي، رافق ذلك سيل من البيانات السعودية المنددة بخطوة المجلس الانتقالي الجنوبي التي تصفها السلطات اليمنية بالعمل الانقلابي،. هذه الإجراءات العسكرية السعودية بوجه الانتقالي الجنوبي تأتي خشية من تلاشي الشرعية اليمنية وتصاعد النقمة اليمنية بالشمال ضد التصرفات السعودية بالجنوب ، وتخوفا من أي تقارب شمالي شمالي.
دفاع السعودية عن السلطة اليمنية هو بالأساس دفاعا عن مبرر التحالف بهذه الحرب, وتحاشيا من انفلات الأمور باليمن أكثر مما هو حاصل، وهو الانفلات الذي من شأنه أن يمثل إعلانا رسميا لفشل التحالف وانتصارا لخصومه, ودخول اليمن في أتون الفوضى وتسونامي مدمر بالمنطقة ستغمر أمواجه العاتية السعودية دون شفقة.
فالسعودية الواقعة في حيرة من أمرها باليمن واقعة في حيص بيص تضرب كفاً بكف، نتيجة إخفاقها بهذه الحرب وبإخفاقها بإيجاد شركاء موثوق بهم – شمالا وجنوبا – ليشكلوا:
أولاً : حائط صد بوجه القوى المعادية للمصالح والنفوذ السعودي باليمن مثل الحركة الحوثية” أنصار الله” بل والقوى التي هي شريكة مع المملكة بهذه الحرب مثل حزب الإصلاح “إخوان اليمن” وكذا القوى الجنوبية كالمجلس الانتقالي الجنوبي، وهذه الأخيرة أيضا غير موثوقا بها سعوديا في قادم السنوات برغم أنها قوى شريكة معها أي مع السعودية بهذه الحرب. فبرغم الجهود المضنية والأموال الطائلة التي بذلتها السعودية ومعها الإمارات لإيجاد قوى يمنية حليفة إلّا أن جُــل هذه الجهود ذهبت سدى باستثناء قوة عسكرية صغيرة وشخصيات حزبية كانت تتبع حزب الرئيس السابق صالح/ المؤتمر الشعبي العام.
ثانيا: لحفظ المصالح والنفوذ السعودي المتنامي، الذي استطاعت الرياض أن تستعيد جزءاً منه بهذه الحرب بعد أن كادت تفقده منذ ظهور الحركة الحوثية كقوة مؤثرة بالساحة، فالنفوذ العسكري السعودي والهيمنة المتصاعدة لها على الأرض بحراً وبراً برغم ضخامته إلا أنه بحاجة لقوى محلية تحميه، وهو ما لم يتوفر بشكل كاف حتى الآن.
وعلى إثر هكذا واقع مخيب لآمالها تجد السعودية نفسها تخبط خبط عشواء وحاطب ليل في جهات اليمن، الى درجة أنها أصبحت ترفض أن يحكم الجنوب الجنوبيون بمن فيهم المجلس الانتقالي وكل قوى الحراك الأخرى، ولا الحزب الاشتراكي، لحاسبات قديمة ولفقدانها الثقة بهذه القوى جميعا. ولا تريد أن يحكم الشمال حزب الإصلاح ولا الحركة الحوثية، ولا حتى معظم المؤتمر الشعبي العام. وبسبب ذلك فأن السعودية ستظل الى أجل غير معلوم لا تثق بيمني – شمالي كان أو جنوبي – أن يحكم اليمن وستظل تعتمد عوضا عن ذلك على شخصيات قبلية وعسكرية ودينية منبوذة وعديمة التأثير, كما ستطل تستخدم لهذا الغرض ذات الوسيلة الرتيبة” الأموال” عبر النافذة المعروفة باللجنة السعودية الخاصة التي شكلتها منذ أكثر أربعة عقود ونيف من الزمن.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/08/13