السعودية تستعد للخروج من الحرب على اليمن.. وإعلامها الرسمي يمهد لذلك
طالب الحسني
بعد الحديث المتكرر عن فشل العدوان على اليمن والتأكد من ذلك عمليا ، يكثر الحديث عن خروج السعودية والإمارات من هذه الحرب .
فليب جوردن مستشار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في شؤون الشرق الأوسط ، كان قد أوصى آواخر العام الماضي 2018 السعودية وقيادة التحالف بالإنسحاب ، قال جوردن حينها أن على السعودية الاعتماد على الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع المقاومات الإسلامية ، حزب الله ، وحماس ، وأيضا الدولة السورية ، أي إبقاء أجواء اليمن مفتوحة للطيران وشن غارات بين فترة واخرى على أهداف الجيش اليمن واللجان الشعبية ، مع الاستمرار بدعم حلفاء التحالف بالسلاح ، وجعلها حرب مفتوحة “بين اليمنيين ” ، ربط جوردن هذه الاستراتيجية بتخفيف الضغوط الدولية التي انفتحت على مصراعيها ، بسبب الأزمة الإنسانية في اليمن على خلفية استمرار الحرب والحصار .
هذه الخطة تدعم حرب أهليه مفتوحة ، جهوية ، مناطقية ، عقائدية ، من شانها إبعاد السعودية من الضغوط أولا ، إشغال حركة أنصار الله الحوثيين وحلفائهم بالصراع االداخلي ، وحاصرة الحرب في الداخل اليمني ثانيا ، أي القفز من السفينة التي تكاد تغرق فبل الوصول إلى الشاطئ .
لقد طبقت الإمارات جزئيا هذه الاستراتيجية ، وأعلنت بصورة شبه رسمية سحب قواتها من اليمن والإنتقال إلى دعم الحلول السياسية ، لكنها عمليا تدعم بصورة واضحة المجلس الإنتقالي الجنوبي وجناحه العسكري الذي سيطر في 10 أغسطس الماضي على مدينة عدن وتمدد إلى عدد من المحافظات ، ونفذت غارات على خصومه ، بما في ذلك على قوات هادي و ” الشرعية المزعومة ” وقتلت العشرات من العناصر التابعة لهذه القوات عندما كانت تسعى لاستعادة عدن ، وهي خطوة جريئة ووضعت حليفتها السعودية في أزمة خانقة ، إذ أن ذلك يتعارض مع ما أعلنه التحالف ، الذي هي جزء منه ، أي إعادة هادي وحكومته وتمكينهم من الحكم .
كان لافتا ولا يزال موضع جدل كبير ، أن الرياض لم تتصرف بحزم مع هذا الإجراء الإماراتي ،على الرغم من طلب هادي إخراج أبوظبي من التحالف وإيقاف مشاركتها العسكرية ، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة أمام الاسترايتجة السعودية المقبلة في اليمن !؟ فالصمت علامة الرضى ، والمجاملات السعودية لهادي وحكومته والدعوة إلى حوار بين الأطراف المتقاتلة ، مجرد ذر الرماد على العيون ، وتخدير موضعي ، يبقي الحرب في المحافظات الجنوبية اليمنية مفتوحة بين حلفاء التحالف نفسه ، مع ما يمثل ذلك من انتكاسة كبيرة للسعودية والإمارات .
قد تكون هذه خطوة أخرى للخروج من الحرب ولكن على قاعدة المثل الشعبي ( إذا انت رايح فكثر الفضائح ) .
ما نراه حاليا ووسط هذه الأزمة المعقدة وصعبة الحلول على السعودية ، أنها بدأت الإيعاز إلى إعلامها ، أي الرياض ، والصحفيين والكتاب والمحلليين السياسيين والعسكريين الذين يظهرون على شاشة التلفزة ، بالتوقف عن ” العنتريات ” والحديث بلغة واقعية ، والاعتراف بوجود أزمة حقيقية ، وصعوبة بالغة في تجاوزها ، و أكثر من ذلك حاجة السعودية للخروج من هذه الحرب ، فعلى مدى الثلاثة الأسابيع الماضية ، لم نعد نسمع في الإعلام السعودي ومن ناشطي وإعلاميي السعودية ” الشطحات ” المعهودة ، بل العكس ، يجري التركيز على أن المشكلة اليمنية باتت معقدة ، وحرب متبادلة ، وصراع بين الحلفاء ، وجمل وعبارات كثيرة على هذه الشاكلة التي تشير إلى بدء النزول من على الشجرة .
علي التواتي للبي بي سي وبالحرف : عندما يقول المحلل السياسي السعودي
( المملكة الآن في وضع حقيقة حرج للغاية هي تريد أن تغلق هذا الملف و الشريك الاخر في التحالف يقصد الإمارات يريد أن يؤكد على انفصال الجنوب و لابد من إيجاد نقطة وسط للاتفاق على ايجاد صيغة معينة تضمن بقاء الشرعية ولو بشكل شكلي لحين فتح الحوار الكبير وإنهاء هذه الحرب التي بدأت تستنزف مختلف الاطراف وبدأت تصبح عبءا ثقيلا على المنطقة باسرها وضربيتها الإنسانية أصبحت باهضة للغاية ولا أعتقد حتى أن المجتمع الدولي يقبل باستمرار الأمور بشكل آخر انما هذه اخر فرصة للجميع لتهدئة الأمور ولملمة ما تبقى في سبيل حوار يمني يمني على مستوى الدولة وإنهاء هذه المأساة وإنهاء هذا التحالف في اليمن واعتقد أنه حان الوقت فعلا لايصال الامور الى نهايتها)
ويضيف (السعودية هي قائدة التحالف ؛ ولكن مايختلفون عليه هي النهايات يبدو أن كل طرف من أطراف التحالف كان له أجندة تختلف عن الطراف الاخر والان وصلنا الى نقطة تنفيذ الاجندات ، الامارات الان في وضع ليس وضعها السابق في اليمن انما هي في وضع من يحاول أن يخلص من هذا العبء الذي بدأ يتزايد ) .
أسرد هذا الكلام هنا لأمرين :
الأمر الأول : أن السعودية لا يمكن أن تسمح بحديث متزايد عن الفشل في اليمن ، وهي المعروفة بتشددها على الصحفيين والإعلاميين السعودية الذين يتحدثون من داخلها
الأمر الثاني : أن هذا الخطاب بات يخرج أيضا من الإعلام السعودي الرسمي ، بل وبوضوح أكثر، إذ أن جريدة عكاظ السعودية الرسمية ، تحمل حزب الإصلاح ( إخوان اليمن ) وهو الحليف الأقوى لهادي ، مسؤولية الفشل ، وهذا ورد في مقالين متتاليين :
الأول بعنوان ، ” إخوان ” اليمن ، فضائح في الجنوب وخيانات في الشمال ، في هذا المقال تم تحميل الإصلاح ما يحدث في الجنوب من صراع ، وتحميليهم مسؤولية الفشل بسبب الخيانات في الشمال ، أي الشمال اليمني
الثاني : أيها اليمنيون ، هي حربكم وليست حربنا . حاول صاحب هذا المقال في جريدة عكاظ إخراج السعودية من تبعات الهزيمة .
أشرت إلى هذه المقالات للتأكيد أن الخطاب السعودي ، بدأ يتجه نحو تحميل ” الأطراف اليمنية ” التي تعمل مع الرياض مسؤولية فشل الحرب العدوانية التي تقودها على اليمن منذو ما يقارب الـ 5 سنوات ، إنها إرهاصات الخروج من الحرب ، ولكن بالتقسيط .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/09/06