أردوغان شرق النهر يبحث عن صيد عدة عصافير.. أنها الكوميديا السوداء يا سادة
كمال خلف
لم يكن وجود الأحزاب الكردية هو سبب تحرك تركيا نحو معركة شرق الفرات ، إنها الذريعة فقط ، فحلم المنطقة الآمنة راود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ السنة الأولى لاندلاع الأحداث في سوريا ، أي قبل أن تشكل الأحزاب الكردية قوة عسكرية شرق الفرات وقبل أن تتشكل قوات سوريا الديمقراطية .
إصرار الرئيس أردوغان منذ مدة على إنشاء هذه المنطقة شرق النهر ومحاولاته الحثيثة للوصول إلى اتفاق مع الأمريكيين لأخذها سلما ، ومن ثم إعلان الحرب بعد أن تأكد أن هناك ثمة هوة شاسعة بين مخططه لهذه المنطقة وبين التصورات الأمريكية . هذا الإصرار نابع من حاجة ملحة جدا لأردوغان في هذه الظروف التي تمر بها تركيا وتحديدا حزبه العدالة والتنمية .
يسعى أردوغان لتحقيق عدة أهداف بضربة واحدة ، أو اصطياد عدة عصافير بحجر يصوبه اتجاه شرق الفرات .
أول الأهداف هو تأمين مساحة داخل الأراضي السورية لنقل اللاجئين السوريين في اسطنبول والمدن التركية الكبرى اليها . وهو هدف يخدم الرئيس في وجه تراجع شعبيته كذلك في الانتخابات الرئاسية المقبلة مع بروز منافسين في المعارضة التركية ومنشقين من داخل حزبه باتوا يطرحون معضلة اللاجئين كأحد أخطاء الرئيس أردوغان ، لذلك يسعى الأخير بسرعة لسحب هذه الورقة وتحويلها لصالحه.
طرح أردوغان لملف اللاجئين السوريين من الزاوية الإنسانية تحول إلى مجرد دعاية لا زبائن لها ، لأنه هو نفسه من هدد أوروبا قبل أيام بطردهم في حال لم يدفع الأوربيون ثمن إقامتهم في تركيا ، وكثير منهم تم اعتقاله واقتياده عنوه ورميه في ادلب . وأردوغان نفسه من ادخل مئات آلاف الإرهابيين عبر حدوده ومعهم السلاح والعتاد والصواريخ ،وهذا ما سبب تهجير السوريين من مدنهم وقراهم. وأردوغان هو من سعى وعمل على تقويض قوة وسلطة الحكومة السورية والجيش السوري في مناطق الشمال والشمال الشرقي ، وهذا ما أدى إلى بروز القوات المسلحة الكردية التي يقول أردوغان اليوم أنها تهدد الأمن القومي التركي .
ومن نافل القول أن إعلان الحرب على الكرد يحقق للرئيس التفافا شعبيا ودعما من المعارضة وخاصة القومية لأن نتائجها سوف تؤدي إلى أبعاد القوات الكردية المسلحة عن حدود تركيا . وبلا شك يمارس أردوغان لعبة العديد من قادة التاريخ ، بشن حرب خارجية لدعم موقفه في الداخل وحرف أنظار الشعب والنخبة عن المعضلات المحلية .
إكمال مخطط المنطقة الآمنة من قبل أنقرة بعد نجاح العملية العسكرية يعني أن هناك تغييرا ديموغرافيا سوف يحدث بشكل كبير في تلك المنطقة ، حيث سيحل سكان آخرين محل ابناء المنطقة ، ومن ثم سيتم تسليمها أمنيا وعسكريا لتلك القوات السورية المحلية التي تتبع لتركيا . وهي قوات تسمي نفسها “جيش وطني” ، ولكن في حقيقة الأمر ورغم خطاب قادتها عن “الثورة والحرية و التحرير” ، هي ليست سوى مليشيات تابعة تقودها تركيا حيث المصالح التركية . وليس أدل على هوية ودور هذا المليشيات المسماة” جيش وطني” من صورة وزير دفاع هذا الجيش” سليم إدريس” وهو يعلن اشتراك قواته بمعارك شرق الفرات ضد مكون سوري آخر ، بينما يضع خلفه في الصورة علم تركيا . ناهيك عن قادة المعارضة السورية الذين صدعوا رؤوس الرأي العام العربي بالحديث عن التدخل الروسي والإيراني وقصف المدنيين . بينما تتورد خدودهم وهم يهزجون فرحا على الشاشات للنصر القادم على الدبابة التركية وتحت العلم التركي وعلى جثث أبناء شرق الفرات ، وعلى تهجير أبناء المنطقة . إنها الكوميديا السوداء أيها السادة .
في النهاية سوف تشرف تركيا مباشرة على هذه المنطقة رغم تمكين المليشيات السورية من الوجود فيها . وبالتالي سيكون لدى أنقرة مساحة مضافة إلى ادلب وريفها يمكن الاعتداد بها في مد نفوذ طويل الأمد داخل سوريا ، ويمكن صرفها نفوذا حتى داخل الحكومة السورية والبرلمان السوري في حال تم إنجاز الحل السياسي .
وبغض النظر عن تفاصيل الخيارات الكردية الخاطئة ، واعتمادهم على الولايات المتحدة لتحقيق حلم الانفصال عن سوريا ، وتكوين دويلة متحالفه مع أمريكا . فإن هذا لا يلغي أن التحرك التركي هو غزو وعدوان على دولة عربية وعلى أرض عربية . والمؤسف أن الجانب الأمريكي مازال يعطي الوعود للكرد ، وحسب بعض التسريبات فإن قوات قسد تلقت معلومات من واشنطن تفيد أن تركيا ستوقف العملية العسكرية بعد وصول القوات التركية إلى عمق 20 كيلومترا . وإن صح ذلك فإن القوات الكردية سوف تترك هذه المنطقة دون مقاومة فاعلة ، وبالتالي ستبقى تحت سيف التحالف مع أمريكا في ما تبقى من الجغرافيا . وكان الخيار الأفضل هو التخلص من عقدة المراهنة على الأمريكي و التخلص من هيمنة رجال قنديل على قرار كرد سوريا ، والذهاب إلى دمشق وإبرام اتفاق معها يعيد الكرد إلى أحضان شعبهم السوري .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/10/11