لبنان الهدف الرابع في أهداف العاصفة الأميركية؟
د. وفيق إبراهيم
تتواصل المحاولات الأميركية لعرقلة تثبيت النتائج السياسية لحروبها الخاسرة التي لا تزال مندلعة في ميادين الشرق الاوسط.
لذلك فإن تفحص هذه الحركات الأميركية الجديدة يبين انها تنتقل من بلد الى آخر في محور المقاومة لإعادة التوتر اليه وإرباك أطرافه وإرجاء الحلول السياسية النهائية الى مراحل بعيدة يكون الأميركيون جددوا فيها آلياتهم المحلية.
هذا النهج الجديد ابتدأ بالدخول على خط تظاهرات شعبية في العراق كانت تطالب بمعالجة الفساد السياسي والإفقار. وهذه احتجاجات حقيقية وصادقة اندس فيها مئات المرتزقة الذين أحدثوا اعمال تخريب وتقول السلطات العراقية إن قناصة منهم استهدفوا المتظاهرين لإشعال فتيل حرب داخلية بين المدنيين العراقيين وجيشهم والحشد الشعبي، معتمدين على نظرية «التقليد» بين أفراد الحشود العامة التي يضعف فيها العقل عادة وتشتدّ الغريزة.
لكن تدخل أطراف عراقية وازنة دينياً وسياسياً عطل مؤقتاً هذه الاحتجاجات على امل ان تهتم الدولة بمطالب الناس بسرعة، ما أدى الى انكفاء التورط الأميركي هناك مؤقتاً.
إلا انه لم يتوقف منتقلاً الى شمال سورية، حيث شجّع الاتراك على اقتحامه متخلياً عن آلياته في منظمة قسد الكردية التي اصيبت بإحباط كبير، والقصد الأميركي هنا يبدأ بمحاولة إعادة الاتراك الى الحظيرة الأميركية والتأسيس لمعارك سورية تركية في شمال سورية وإدلب وعفرين والباب قد يجد الروسي نفسه مضطراً للانخراط فيها الى جانب سورية للمحافظة على مكتسباته السورية وبالتالي الإقليمية.
لكن القيادة الروسية تحاول استيعاب الموقف بدفع سورية وتركيا الى حوار مع ضغطها على الرئيس التركي أردوغان لوقف جيشه عند الخطوط التي تسمح بها معاهدة أضنة مع اضافة بسيطة الى عمق عشرة كيلومترات.
فبذلك تبقى حليفة لسورية والطامحة الى الاستحواذ على الدور التركي في آن معاً في حرب تركية مفتوحة ليست لها اوقات محددة.
لجهة إيران فهي الهدف الأميركي الثالث. فجرى قصف ناقلة إيرانية كانت تبحر مقابل مدينة جدة السعودية على بعد ستين ميلاً بحرياً منها، وكأنها تريد الإيحاء بأنها رد سعودي على قصف مصفاة ارامكو، وكانت السعودية اتهمت إيران بالقصف على الرغم من اعلان الدولة اليمنية في صنعاء، أن طائراتها المسيّرة وصواريخها هي التي قصفت اهم مصفاة في السعودية.
المطلوب اذاً من هذه الضربة جرّ إيران الى حرب او ضربات متواصلة على اهداف سعودية جديدة، تؤدي الى نقل الصراع بين البلدين من سياسي متوتر تتخلله بعض النكسات العسكرية الى حرب عسكرية مقفلة الأفق سياسياً.
هذا ما يشجّع على الاعتقاد بأن قصف الناقلة الإيرانية هو عمل أميركي اسرائيلي يريد تعطيل مشروع المصالحة الذي يحمله معه اليوم الى طهران رئيس وزراء باكستان عمران خان.
وسواء أكان قصف الباخرة الإيرانية من بعض الاجنحة المتشدّدة في السعودية او من الأميركيين او الإسرائيليين فإن مراميه المباشرة تريد تعطيل أي لقاء سعودي إيراني، لأنه ينعكس فوراً على مستوى الشرق الأوسط مقلصاً من مدى الدور الأميركي في زواياه، فهل جرى إجهاض المبادرة الباكستانية قبل ان تبدأ؟ لا شك في أنها قد تسيء الى الوساطة لكن الخبرة الإيرانية السياسية بوسعها أن تحتويها.
لجهة اليمن، فالحروب فيه مستعرة منذ خمسة اعوام لم تتوقف فيها يوماً واحداً بشكل لا يتبقى في الاهداف الأميركية إلا مواصلة التآمر في ساحات العراق وسورية واليمن مع التركيز على لبنان، لوجود حزب الله فيه، بما يعنيه من رأس حربة المقاومة في الاقليم والصامدين في وجه الكيان الاسرائيلي عند حدود لبنان الجنوبية والداعم لسورية في وجه الارهاب.
هذه الاعتبارات تدفع الأميركيين الى اتخاذ اجراءات تشبه حصاراً اقتصادياً قاسياً ابتدأ منذ شهر تقريباً على شكل التضييق على حركة اتصال المصارف الداخلية بالخارجية، والتضييق على حركة تحويلات المغتربين اللبنانيين الى أهاليهم ومنع المصارف الداخلية من التعامل مع أي زبائن إلا بعد الموافقات الأميركية المسبقة وإلغاء حسابات قديمة لزبائن لا ينتمون الى الفلك الأميركي او مؤيدين لخط المقاومة.
لم يكتفِ الأميركيون بهذه الإجراءات التي تكاد تفجر الشارع اللبناني لأنها تسببت بارتفاع سعر الدولار في بلد يستورد بقيمة عشرين مليار دولار ولا يصدّر الا بحدود ثلاثة مليارات، ما ادى الى حركة غلاء قاسية وإضرابات لأفران ومحطات وقود لأنها لم تعد تستطيع الدفع بالدولار.
بالمقابل يعمل الأميركيون على التنسيق بين جهود القوى اللبنانية المرتبطة بهم، وذلك لمنع اي طريقة بوسعها إنقاذ التدهور في الاقتصاد اللبناني.
فحزب القوات اللبنانية الحليف الموثوق للأميركيين يرفض التنسيق الاقتصادي مع سورية وأي تفاوض مع المسؤولين فيها بذريعة ان هذا النظام قتل شعبه! وهذا منطق «إسرائيل» لحزب يغطي الجرائم الأميركية والإرهابية التي فتكت بملايين المدنيين من افغانستان الى لبنان.
واذا كانت دول العالم بأسره أدانت الهجوم التركي على سورية فإن لبنان المجاور لسورية انتقد بدوره هذا الهجوم، لكن الوزير وائل ابو فاعور الممثل للحزب التقدمي الاشتراكي انتقد موقف الحكومة وطالبها بالالتزام بالحيادية! وذلك لارتباط حزبه بالأميركيين.
وهكذا يتساوى ابوفاعور مع وزارة الدفاع في قطر التي أيّدت من ناحيتها الهجوم التركي. هذا ما يكشف أن الخطة الأميركية لخنق لبنان تقوم على خنقه اقتصادياً من الداخل وحركة اتصالاته بالخارج. ومنع أي محاولة لبنانية للانفتاح على سورية اقتصادياً، لأن هذا العمل يفتح اسواق لبنان على العراق والاردن والخليج من خلال الحدود السورية.
وتعتقد الخطة الأميركية أن خاتمة هذا الخنق تنتج حروباً داخلية بين الاحزاب الداخلية الموالية لأميركا وبين حزب الله بما يؤدي تلقائياً الى تعطيل دوره في الاقليم وتفجير حلف المقاومة.
هذا هو التخطيط الأميركي، لكن لحلف المقاومة رأياً آخر يرى ان المتاعب الاقتصادية لجمهوره قابلة للحل ببيارق مقاومة تجمع بين الوطنية والحقوق الاقتصادية الضرورية.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/10/12