تموضع القوات الأميركية في العراق.. استراتيجية ضدّ إيران
د. حسن مرهج
لا تزال تداعيات الانسحاب الأميركي من سورية، تتفاعل إقليمياً ودولياً، فما بين مؤيد للانسحاب ورافض له، تبدو التموضعات الأميركية الجديدة، وسلسلة الانسحابات المستمرة من سورية، وكأنها تهيئة لمناخ عسكري ذو طبيعة خاصة، فالمراقب يُدرك أنّ تفاصيل هذا الانسحاب، وإعادة تموضعه في العراق، وكذا في إقليم كردستان العراق، أشبه بترتيب الخطوط العسكرية القريبة من إيران، وهذا مدعاة إقليمية ودولية لإحداث جُملة واسعة من التوترات، وقد يبدو للوهلة الأولى، أنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المُتعلق بنقل جنود بلاده إلى العراق، وإبقاء عدد منهم في سورية، اشبه بمعادلة ذات أوجه متعددة، فما بين التموضع الرمزي في سورية، بُغية التأثير على القرار السياسي المُفضي لحلول نهائية للحرب على سورية، ومن جهة أخرى مراقبة إيران عن كثب، وما بين التموضع الأميركي الاستراتيجي في العراق، تكمن الغايات الأميركية الحقيقة لجهة إنشاء مسار عسكري ضدّ إيران ونفوذها في المنطقة.
التصريحات والتحركات الأميركية عقب الانسحابات الأخيرة من سورية، والتوجه نحو العراق، تصبّ مباشرة في سياق عسكري، فحين يصل وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر إلى السعودية في زيارة غير معلنة مسبقاً، ويلتقي بالقادة السعوديين والقوات الأميركية أثناء وجوده في المملكة، ومن ثم سيتوجه إلى اجتماع «الناتو» الوزاري في بروكسل، حيث يلتقي مع نظيره التركي، هذا الأمر حكماً هو تهيئة مناخ عسكري ضدّ إيران، خاصة أنه وبالتزامن مع زيارة إسبر إلى السعودية، صدرت تصريحات إعلامية من وسائل الإعلام السعودية تتمحور حول اجتماع رؤساء أركان دول خليجية وعربية وأجنبية بالعاصمة الرياض لبحث «تهديدات إيران». ويقرّرون مناقشة وسائل «ردع التهديدات» ضدّ السعودية بمؤتمر في 4 تشرين الثاني المقبل.
ضمن هذه الصورة، من الواضح أنّ جُلّ التحركات الأميركية وأدواتها في المنقطة، تتقاطع مع هدف واحد، ألا وهو كيفية مواجهة إيران. لكن يبقى التواجد الأميركي في العراق مثار بحث وجدال، ففي الفترة الماضية كثرت الهجمات الإسرائيلية وبتنسيق أميركي، لاستهداف مقار الحشد الشعبي في العراق، وحُكماً هي رسالة لإيران بغية ردعها وإجبارها على الانسحاب من المنطقة. لكن الوجود الإيراني في العراق هو أمر واضح وأقرت به حتى الولايات المتحدة، كما أنّ هناك اتفاقيات تعاون مع إيران من الصعب على الحكومة العراقية الإخلال بها، من هنا يحاول العراق التوصل إلى حلّ دبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران وذلك بحكم علاقته المتشعّبة، بيد أنه لن يغامر في السماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيه لمهاجمة إيران وذلك للتحالف الوثيق بين البلدين.
القوات الأميركية قد بدأت بالفعل بإعادة تمركزها في العراق، تحقيقاً للغايات التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويتحدّث المواطنون العراقيون عن ظهور أكثر وضوحاً للقوات الأميركية في عدد من المناطق، إلا انّ هذا الظهور وفقاً لما يرويه الناس هو ظهور هادئ لا يحمل طابعاً هجومياً، ومع ذلك فقد أطلق بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي العنان لمخيّلاتهم متوقعين حدثاً كبيراً قد يغيّر من الخريطة السياسية العراقية، ومع ذلك يظلّ هذا الحدث بلا سند واقعي أو أيّ مؤشرات دالة، ولكنه بالتأكيد يدخل ضمن دوامة الجدل الدائر حول التواجد الأميركي في العراق والعلاقات مع ايران، ولا يبدو انّ هذا الجدل في طرقه الى النهاية قريباً.
ذكر دونالد ترامب في مقابلة مع شبكة «سي بي أس» الأميركية في وقت سابق، أنه يخطط لإبقاء القوات الأميركية في العراق بحيث تكون قادرة على الردّ بشكل سريع على أية أحداث في المنطقة وكذلك لمراقبة إيران، هذا التصريح قابله ردّ فعل رافض من قبل عدد من القياديين والسياسيين العراقيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية برهم صالح الذي أكد رفض العراق ان يكون طرفاً في أيّ محور او أيّ صراع بين الدول، كما رفض رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي تصريحات ترامب، وطلب من الولايات المتحدة إعادة النظر في هذه التعليقات المثيرة للجدل، والتي وصفها بأنها تصريحات تؤدي الى «زعزعة للاستقرار».
في المحصلة، أميركا قادرة على إشعال حرب ضدّ إيران بكبسة زر، إلا أنها لن تكون قادرة على ضبط الأمور بعدها، فردّة الفعل الإيرانية ستكون أكبر من القدرة الأميركية على الحسم، وستصبح قواتها في العراق والخليج مهدّدة، وبالتالي وضمن العديد من السيناريوات، فإنه لا يمكن التكهّن بسلوك ترامب الأحمق، لكن من المؤكد أنّ إيران ومحورها المقاوم، سيكون له سيناريو خاص به، وهو بالتأكيد إشغال واشنطن ووكلائها في المنطقة، فهل يُدرك ترامب ذلك؟
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/10/26