مفارقات سياسية مضحكة
طراد بن سعيد العمري ..
خلال الأسبوع المنصرم فقط، استمعنا إلى العديد من الأخبار السياسية عن ما يجري اليوم في عالمنا المضطرب. بعض من تلك الأخبار مضحك إلى درجة لا توصف فشر البلية ما يضحك. قررنا أن نضعها في نقاط مختصرة لنضحك مع القاريء أو نبكي معاً، يعني المشاركة في السراء والضراء.
(١) التقى وزير الخارجية الأمريكي قادة روسيا في موسكو لكي يقرروا أمر العالم، هل تذكرون “سايكس _ بيكو”؟ اليوم انسوا ذلك، وتذكروا من الآن فصاعداً “لاڤروڤ – كيـري” الذي سينعكس ما اتفقوا عليه على المنطقة بأسرها. من نتائج اجتماع موسكو العاجلة، الحرب والسلام في سوريا. كل دولة من الدولتين تدعم طرف من أطراف النزاع في الميدان السوري، وكل دولة توجه طرف من أطراف الحوار في جنيڤ. لكن نغمة أصوات المدافع في الميدان، وأصوات المتحاورين في جنيڤ، ستعزف على ما يريده المايسترو من موسكو. والمعنيون لا حول ولا قوة، روسيا وأمريكا لسان حالهم يقول: “هنا حفرنا وهنا دفنا” كما يقول المثل الشعبي. المثير أن الإعلام العربي الغبي، لا يزال يضلل المتلقي بأن ما يحدث في سوريا ثورة شعبية بين شعب مضطهد ونظام مستبد، ولا يجروء على قول الحقيقة بأننا أمام مسرحية سياسية ممجوجة تكررت في تاريخ العرب مرات ومرات.
(٢) سيزور الرئيس الأمريكي باراك أوباما منطقة الخليج في نهاية ولايته التي امتدت ثمان سنوات، بدأها من الشرق الأوسط وأنهاها في الشرق الأوسط، وكم هو الفارق بين زيارته الأولى في العام ٢٠٠٩م وزيارته الأخيرة في العام ٢٠١٦م، ومع أنه الرئيس الأمريكي الذي أخذ على نفسه سحب قوات بلاده من العالم، ورئيس يكره الحرب وإلقاء القنابل، إلا أن خلال فترة حكمه تساقطت رؤوس أربعة أنظمة عربية، في تونس وليبيا ومصر واليمن، بفضل “الفوضى الخلاقة” والجيش الأمريكي الجديد المتمثل في الإرهاب التي صنعها سلفه “بوش الإبن” أغبى مخلوق على الأرض. المضحك، أن الرئيس الأمريكي سيلتقي قادة دول وصفهم بالعجز والفشل وتمويل الإرهاب والفكر المتطرف وتهميش المرأة في مجلة “إتلانتك”، ومع هذا سيأتي ويبتسم لأنه يعرف حجمه ويعرف “ربعه” في الخليج.
(٣) يخرج علينا آشتون كارتر، وزير الدفاع الأمريكي، لكي يقول أنهم تمكنوا من استهداف ثاني رجل في تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، يريد أن يقول لنا أن أمريكا حققت نجاحاً، شيء عظيم. لكن الأهم في حديث وزير الدفاع الأمريكي أنه سيسبق قدوم الرئيس لكي يجتمع مع وزراء الدفاع في مجلس التعاون للتباحث في خطة جديدة لمحاربة “داعش”، مما يعني بيع مزيد من الأسلحة لوقف خطر “الإرهاب”، وأسلحة لوقف خطر “إيران”، خطرين وهميين مصطنعين، لابأس، مندوب تسويق مؤسسة الصناعات العسكرية الأمريكية يريد أن يتخذ من أمن المنطقة حجة مبيعات وتواجد. المضحك، هو أن أمريكا تصنع الشيء وضده، تصنع الخطر وتسوق الأمن المصطنع. لكن المبكي، أنه سيحارب بأبنائنا وجنودنا خارج حدودنا لخطر تدّعي أمريكا أنه يهدد أمنها القومي. العجيب، أن الإرهاب معضلة أمنية تعني بوزراء الداخلية والسلطات الأمنية وليس وزراء الدفاع والجيوش، فهل الإرهاب هو الجيش الجديد الذي اخترعته أمريكا ليضمن تواجدها الدائم وبيعها للسلاح؟
(٤) يطل علينا من جديد إسماعيل ولد الشيخ أحمد، “الغلبان”، المبعوث الأممي لليمن ليقول أن الأطراف اليمنية اتفقوا على وقف “الأعمال العدائية” بعد أسبوعين ثم يتم اجتماع الأطراف في الكويت. حسناً، هل قرر الكبار في موسكو أن هذه بتلك؟ سوريا مقابل اليمن أو العكس، وقف “الأعمال العدائية” في سوريا واليمن. ولماذا بعد أسبوعين، ولماذا ليس اليوم في ساعة الإعلان، ذات السيناريو السابق في سوريا مهلة أسبوعين بعدها توقف الأعمال العدائية وتبدأ الهدنة ثم تنطلق المباحثات. ماهو المضحك إذاً، أن مايتم تسويقه هو أن المباحثات سورية/سورية، أو يمنية/يمنية، وكأن القوى العظمى أو أذرعتها الإقليمية لا دخل لها. ولماذا لا تجري المباحثات حول سوريا في دمشق، وحول اليمن في صنعاء، إذا كان الشأن داخلي ولا دخل للغرباء؟ المبكي، أن الإعلام العربي الغبي يردد نفس السيناريو بحماس والمتلقي العربي يهزأ ويسخر ويضحك على الإعلام والساسة العرب.
(٥) تفجيرات بروكسل وإستانبول وبغداد وعدن وجميع الأعمال الإرهابية في الأسبوع المنصرم، وفي الشهر المنصرم، وفي العام المنصرم، كلها تتبناها “داعش”، لم يعد في العالم سوى “داعش”، لم نعد نسمع عن “القاعدة”، هل انتهت صلاحيتها، أم أن “داعش” اشترت كامل حقوق الإرهاب، أم أن القاعدة ولدت لهدف معيّن في مرحلة معيّنة في جغرافيا معينة، وآن الأوان لتغيير المنتج والماركة الإرهابية؟ ولماذا تتواجد القاعدة أو داعش مع الوجود الأمريكي فقط، ولماذا تتوجه أعمال الإرهاب لكل ماله علاقة بأمريكا والغرب؟ فلم يعرف الشرق الأوسط الإرهاب المعروف اليوم إلا بسبب أمريكا، ولم تعرف أوروبا تلك الهزات الإرهابية إلا بعد أن انخرطت دوله في إتباع المفهوم الأمريكي؟ الغريب، ليس غياب “القاعدة” فقد حلت “داعش”، إنما غياب إسرائيل عن الأخبار والإعلام إلا من ضوء خفيف خافت يأتي على استحياء. هل هذا مضحك أو مبكي؟ لا نعرف.
(٦) بعد (٤) ساعات اجتماع بين “الدب” الروسي و “الحمار” الأمريكي اتفق الكبار ليس على رحيل الأسد، بل على أكثر من ذلك، وهو عدم الحديث حتى عن رحيل الأسد، مما يعني أن يكف الساسة في الدول الإقليمية عن اللعب بهذه التصريحات من الآن فصاعداً، ويعني أن أي فرد مما سمي المعارضة السورية لن يجرؤ على الحديث عن “رحيل الأسد”. قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. والأكثر من ذلك، ستشارك كل أطياف الشعب السوري بقائمة موحدة يعدها الكبار تضم من قوائم موسكو والقاهرة والرياض والداخل بما فيهم الأكراد الذين حاولت تركيا تطبيق “ڤيتو” عليهم. ماهو المضحك هنا؟ هو أن الدول الإقليمية تم نزع يدها وتهميشها في القضايا الكبيرة التي تزعج الكبار.
(٧) المضحك أن الدول الإقليمية في الشرق الأوسط تحاول أن توهم شعوبها بأنها تلعب سياسة وأن لها من الأمر من شيء، لكن اجتماع موسكو بين القوتين الأعظم في العالم يقول عكس ذلك تماماً. وعلى الحكماء في هذه الدول أن يبحثوا عن مخرج إعلامي مناسب يحفظ ماء الوجه ويبقي على البقية الباقية من ثقة بين الدول وشعوبها وعدم المضي بعيداً وعالياً في الأوهام، “فالذلة الخفية أفضل من الذلة المعلنة” كما يقول المثل الشعبي. هذه تركيا تدحدرت من علو حاولت صنعه والإيهام به، وبدلاً من محاولتها تقسيم الدول العربية وإدخالها في الفوضى بدأت تخشى هي ذاتها الفوضى والتقسيم.
أخيراً، بعض من النقاط أعلاه مضحك وبعضها مبكي، وكثير منها ومن غيرها من الممارسات السياسية العربية يثير الاشمئزاز، وكأننا نتخيل أجيال قادمة في المستقبل، الذي لا يجزم أحداً بشكله أو لونه أو طعمه أو رائحته، إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه من الممارسات السياسية البائسة، ماذا ستشعر به تلك الأجيال عندما تقرأ التاريخ بالوثائق الحقيقية وليس وثائق ويكيليكس المسربة؟ ختاماً، السياسي الحكيم الذي يريد لدولته القوة ولشعبه العزة والمنعة فليلتفت للداخل فالخارج محكوم بمعادلات لم ولن يحيط بها علما. حفظ الله الوطن.
صحيفة أنحاء
أضيف بتاريخ :2016/03/27