*شيخ الوعظ والإرشاد إبراهيم الميلاد (رحمه الله)*
علي آل غراش
الذِكر ُالطيبُ والمحبةُ من قبل الناس لمن يرحل من الدنيا هو توفيقٌ من رب العالمين، فهناك شخصيات يقال عنها مؤثرة، لأنها تترك أثرا وبصمة تدل على تواجدها ومرورها على البسيطة، وما أفضل ان يكون الأثر أثرا طيبا وخدمة للعباد، ولكم في شخصية شيخ الوعظ والإرشاد سماحة الشيخ ابراهيم الميلاد نموذجٌ للإنسان المتمسك بالحق والعدل والأخلاق الفاضلة فرحيله خسارة فادحة للأمة والمجتمع ولمن يعمل لأجل الإصلاح، فموت العالم المخلص الوفي خسارة وثلمة لا يسدها شيء كما جاء في الحديث: (إذا مات العالم ثُلم في الإسلام ثلمة، لا يسدها شيء إلى يوم القيامة).
الرحمة على روح الراحل الأخ العزيز فضيلة سماحة الشيخ ابراهيم الميلاد أبو رشاد، الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى بشكل مفاجئ بدون مقدمات كالمرض ..، رحل سماحة الشيخ الإنسان المحب للآخرين، ولفعل الخير والعطاء وقول كلمة الحق ونصرة المستضعفين والمظلومين.
تميز سماحة الشيخ الميلاد بأنه قد عاش حياته القصيرة حسب مقياس الزمن في سبيل الله وما يحبه والتوكل عليه -عز وجل-، والتمسك بالحق والعدل ونصرة المظلومين، وبتطبيق قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -أي الوعظ والإرشاد- بطريقة محببة بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، فهو محب لدور الإرشاد والتوجيه في كل مكان يذهب إليه، ومن شدة حبه للإرشاد أطلق اسم رشاد لأبنه الأول وباسمه يكنى أبو رشاد.
*رسول الكلمة الطيبة*
الشيخ ابراهيم الميلاد توجه للدراسة الحوزوية وهو شاب، وقد تميز في دراسته وعشقه للعلم والمعرفة بالجد والاجتهاد، وما زال يدرس ويُدرس ويقوم بدوره الرسالي إلى اخر يوم في حياته. لقد كان الراحل يحرص على تعليم أفراد المجتمع المسائل الشرعية التي يحتاجون إليها، وتأليف الكتب والتبليغ والتعليم والارشاد والاستفادة من أجواء روحانية الحج. والشيخ ابو رشاد مع تطبيق العدالة في كل مكان وزمان، وعاشق للحرية ومبادئ ثورة سيد الأحرار الأمام الحسين الثائر، ولهذا كان يحرص على الكتابة والخطابة في مجال ثورة الحسين -عليه السلام- وكتابة القصائد والكلمات القصيرة في حقه، وترسيخ نهضة الإمام الحسين، وكان سماحة الشيخ -رحمه الله- رسول الكلمة الطيبة، رسول الإبتسامة، رسول الاخلاق العالية، انه رسول كل ماهو جميل: تواضع وأدب وعلم وتوجيه بطريقة محببة ورائعة وخفيفة.
لقد كان الشيخ إبراهيم -رحمه الله- يحرص على كتابة رسائل قصيرة، وإرسالها عبر برامج التواصل بشكل يومي إلى عدد كبير من محبيه داخل البلاد والخارج، رسائل تحتوي على كلمات قليلة ولكنها كلمات تغني عن كتاب لما فيها من فوائد عظيمة. رحل الشيخ الميلاد -رحمه الله- عن عالمنا إلى خالقه الرحمن الرحيم، رحل بهدوء وراحة؛ وترك الحسرة والألم في قلوب أهله ومحبيه.
*الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر*
لقد كان الشيخ ابراهيم الميلاد -رحمه الله- يعمل لله بإخلاص بلا مجاملة ومدارة لأهل الباطل بمبرر سياسي ومصالح دنيوية، ولا يخاف في الله لومة لائم، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، مهما كانت الظروف، في زمن ابتعد كثير من الناس ومنهم من يحملون اسم خدام الشريعة، عن أداء هذه الفريضة الواجبة خوفا من قول كلمة حق أو أمر بالمعروف، وللاسف في زمن أصبحت كلمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مرغوبة لأن لها ثمن ومشوه! ، رغم انها لا تقل أهمية عن الصلاة والصوم والحج وغيرها من فرائض الشارع المقدس -سبحانه وتعالى- الذي فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي في خدمة الناس والدفاع عنهم في كل الأحوال، والسعي في المصالحة بين الناس ونشر ثقافة المصالحة والإصلاح والتسامح، الشيخ ابراهيم كان يحب الإرشاد لوجه الله -سبحانه وتعالى- ويمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طوال حياته عن طريق الإرشاد والتوجيه بما فيه أمر بالمعروف والنهي، ومن خلال المنبر الحسيني ومن خلال محراب الصلاة في المساجد وفي كل مكان، ولقد وجد الراحل الشيخ الميلاد في برامج التواصل فرصة متاحة ومناسبة لأجل الإصلاح، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد لأفراد المجتمع وذلك بأسلوب راقي وجميل فهو شاعر مبدع، وكاتب وأديب مميز، كما كان متحدثا لبقا وخطيبا مفوها يتميز بالكلمة الطيبة والحكمة وترسيخ مبادئ وقيم مدرسة أهل البيت -عليهم السلام-، وكان -رحمه الله- من الكتاب المميزين الدعاة للحق والعدل ونصرة المظلومين ودعم الضعفاء ومساعدة كل محتاج والاهتمام بشؤون الناس والتضامن مع المظلومين وأهاليهم، وكل ذلك من باب إنساني وتطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الشيخ كان يتحرك بدافع ديني وانساني لاحقاق الحق ورفض الظلم والفساد والمفسدين، وكان يرفض التعامل حسب توجهات ومصالح سياسية أو تيارية أو شخصية ولا كان يتعاطى بنفَس ضيق، بل انه يدافع عن المظلومين والنشطاء الشرفاء المضحين كموقف رسالي.
الشيخ الميلاد يقدم درسا عظيما في دروب الإصلاح والتغيير والتمسك بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتضحية بالمال والوقت والنفس لأجل الدفاع عن الأبرياء، انه قدوة وأسوة حسنة لعلماء الدين بالخصوص ومن الوجهاء .. للعمل بإخلاص والتضحية ودعم الأحرار والشرفاء وتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفض الظلم والاستبداد والانتهاكات والفساد، والابتعاد عن المصالح السياسية والمدارة والمجاملة للظالم على اساس ان تلك سياسة!.
الشيخ الميلاد -رحمه الله- لم يسكت عن الظلم والفساد والقتل، حاول أن يسير خلال مسيرة حياته على نهج الأئمة الأطهار بالابتعاد عن الظالمين، وعدم التخلي عن نصرة المظلومين بقدر ما يستطيع، لقد رحل الشيخ الميلاد وهو يرفع راية الدفاع عن الحق، وراية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في زمن كثير من الناس قد تخلوا عن تلك الفريضة الواجبة والمهمة، التي يجب على كل إنسان القيام بها.
*نصرة الحق والمظلومين*
سماحة الشيخ الميلاد له مواقف عظيمة بنصرة الحق والمظلومين ودعمه ودفاعه عن كل من يطالب بالإصلاح الحقيقي وعن القادة المخلصين وعن كل من يسلك درب الإصلاح، ومن تلك المواقف العظيمة المشرفة التي لا تنسى دعمه ودفاعه عن الشهيد البطل سماحة الشيخ نمر باقر النمر -رحمه الله- والتصدي لتشكيل وفد من علماء وشخصيات المجتمع لزيارة الملك وكبار المسؤولين في الرياض للمطالبة باطلاق سراح الشيخ النمر بعد اعتقاله وقبل إعدامه، وكتابة قصيدة بحق الشهيد النمر، رغم تحفظ مجموعة كبيرة من رجال الدين والشخصيات والوجهاء في المجتمع والبعد عن عن هذا الملف لانه يحتاج إلى تضحية!.
الشيخ الميلاد كان يهتم بالتواصل مع اصدقائه الذين اجبرتهم الظروف للعيش بالخارج، وكان يعشق زيارة العتبات المقدسة -رغم المنع الرسمي والمعاقبة- وبالخصوص الإمام الرضا في مشهد المقدسة والسيدة المعصومة في قم المقدسة في ايران، والحرص على زيارة الأئمة الأطهار أمير المؤمنين الإمام علي والإمام الحسين والكاظم والجواد والهادي والعسكري -عليهم السلام- في العراق. ويحرص دائما الشيخ ابو رشاد بالتواجد في مكة المكرمة والمدينة المنورة في مناسبات الحج والعمرة وزيارة الرسول الأعظم وبضعته المظلومة السيدة فاطمة الزهراء وأئمة البقيع: الإمام الحسن المجتبى وعلي ابن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق. وعندما يذهب لتلك المواقع المباركة والمشرفة يذكر محبيه واصدقاءه بالدعاء ويرسل رسائل لهم بذلك.
سبحان الله عندما فوجئت بخبر وفاة الشيخ ابراهيم الميلاد، تذكرت مباشرة ذكرى وفاة صديق رحل عنا بنفس الطريقة من الهدوء وشكل صدمة مفجعة لمن حوله ومحبيه وهو الراحل الأستاذ الشيخ حسن القروص أبو رجاء -رحمه الله-.
يا شيخ ابو رشاد رحيلك السريع خسارة؛ فأنت عَبرة وعِبرة لنا ولكل الأجيال القادمة. رحمك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته وجعلك مع النبي (ص) وآل بيته الطاهرين (ع).
السلام عليك ايها الشيخ الفاضل و سيذكرك احباؤك بالرحمة. ونتقدم بخالص العزاء والمواساة إلى أهل ومحبي الشيخ الميلاد ونسأل الله تعالى أن يلهمهم الصبر والسلوان.
مدونة الكاتب علي آل غراش
أضيف بتاريخ :2019/11/03