الاستراتيجية الأميركية الجديدة في سورية.. النفط نموذجاً
أمجد إسماعيل الآغا
يبدو أنّ واشنطن تحاول مُجدّداً الاستحواذ على ورقة اقتصادية ذات مفاعيل سياسية وعسكرية في سورية، فخاصية التمركز الأميركي في قلب الحدث السوري، يُتيح لها التأثير السياسي، على لعبة شدّ الحبل في شمال شرق سورية. وعلى الرغم من بقاء الاستراتيجية الأميركية في سورية مثار بحث وجدال، إلا أنّ الواقع يُشير إلى مساراتٍ استراتيجية جديدة تتخذها الإدارة الأميركية، تُمكّن واشنطن من فرض تجاذبات وتعقيدات على المشهد السوري بمُجمله.
من وجهة نظر واشنطن، فإنّ كلّ ما يحدث في سورية والعراق وإيران وتركيا، تعتبره أطياف مضطربة لا بدّ من تغليفه بضرورات استراتيجية، فمن الناحية الجيوسياسية ترغب واشنطن في كسر محور المقاومة وتأطير تأثيراته الإقليمية، ومنعه من تشبيك مساراته السياسية والعسكرية، ومن الناحية الجغرافية تسعى واشنطن إلى كسر مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين من دمجها في كلّ من العراق وسورية، ناهيك عن تركيا.
ضمن هذه المُعطيات، يبدو واضحاً أنّ إعادة التركيز الأميركي على ورقة النفط السوري، وإرسال تعزيزات عسكرية مُتتالية، بهدف نشرها في المنشآت النفطية شمال شرقي سورية يأتي ضمن أهداف ثلاث:
الأول تعزيز التواجد العسكري الأميركي في منطقة دير الزور شرقي سورية، تحت ذريعة منع مقاتلي تنظيم داعش من الوصول إلى حقول النفط.
الثاني – تسعى واشنطن إلى إحداث شرخ في بنية التفاهمات السورية الكردية، والروسية التركية، والتي تلت قرار ترامب بالانسحاب من سورية.
الثالث رغبة ترامب بإبعاد الكرد عن الحدود التركية إرضاءً لأنقرة، كما يسعى ترامب لإرضاء «قسد» وإيجاد بديل آخر لها، لكن بعيداً عن حقول النفط.
وبالتالي، فإنّ ربط الانسحاب الأميركي من سورية بورقة النفط، من شأنه أن يُعكّر صفو التفاهمات الروسية التركية، والسورية الكردية، بالتزامن مع التطورات الجديدة الأخيرة شمال سورية، وعملية «نبع السلام».
من هنا، فإنّ ورقة النفط السوري والتركيز الأميركي عليها، يمكن قراءتهما في إطار السعي الأميركي لمنع الدولة السورية من الاستفادة من موارد النفط، إضافة إلى إبقاء هذه الورقة عامل ضغط يمكن استخدامه في أيّ استحقاق سياسي مستقبلي، وتبرير البقاء في سورية لمواجهة النفوذ الإيراني. عطفاً على الاستفادة من موارد النفط، لتغطية نفقات القوات الأميركية شمال شرق سورية.
في جانب آخر مُرتبط بالقرار الأميركي، فإنه لم يعد خفياً الصراع الأميركي الروسي في سورية، فالتفاهمات الروسية مع تركيا والكرد، يُخفي في ثناياه صراعاً بين القوّتين العظميين على امتلاك الأوراق الرابحة في سباق التفاوض على مستقبل الحلّ السياسي في سورية، أولاً، وامتلاك النفوذ الأكبر في سورية لاحقاً.
وقد أرسلت موسكو تعزيزات عسكرية إضافية إلى المناطق الحدودية مع تركيا في شمال شرق سورية، غداة إعلان واشنطن إرسال قوات جديدة إلى مناطق سيطرة الأكراد لحماية حقول النفط.
وبالتوازي مع تسريع تحركاتها العسكرية والدبلوماسية لضمان تنفيذ اتفاق سوتشي مع أنقرة، شنّت موسكو هجوماً قوياً على قرار الولايات المتحدة نشر قوات في منطقة شرق الفرات، واتهمتها بمواصلة سرقة النفط السوري، والتصرف على طريقة قطاع الطرق. وقد نشرت وزارة الدفاع الروسية خرائط وصوراً التقطتها وسائل الرصد الجوي قالت إنها تظهر مسارات تهريب الثروات السورية، وقدّرت حجم السرقات بـ30 مليون دولار شهرياً.
في بداية اجتماع الإدارة الأميركية يوم الاثنين 21/10/2019، وصف دونالد ترامب انسحاب قوات بلاده من سورية بالخبر السار، وقال إنه يمكن أن يتعامل مع شركات النفط هناك والتي تدر أموالاً لأميركا.
كذلك أكد وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أنّ إدارة ترامب تُحقق في نشر عدد من القوات الأميركية في شمال شرق سورية، بالقرب من حقول النفط التي يسيطر عليها الكرد. وأضاف إسبر أنه «من أجل الحيلولة دون وقوع هذه الحقول بيد داعش، وغيره من الجهات التي تتسبّب في زعزعة الاستقرار، فإنّ الولايات المتحدة ستحصّن وضعها شمال شرقي سورية بعناصر عسكرية إضافية، وبالتنسيق مع شركائنا «قوات سورية الديمقراطية». إذ يتعيّن علينا وقف تدفق الإيرادات على داعش».
يبدو أنّ واشنطن تحاول جذب الكرد مجدّداً، لتقويض مفاعيل الاتفاق الروسي التركي، والسوري الكردي. هذا الأمر وصفه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بـ التأثيرات السلبية جداً على الوضع في سورية والمنطقة.
وفي تعليقه على إعلان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر نية البنتاغون تعزيز وجوده العسكري في الحقول النفطية في محافظة دير الزور، حذر ريابكوف من تعقيدات جديدة تسعى واشنطن إلى وضعها، وشدّد على أنه «لا يجب أن يُغري العمل الذي قامت به قيادتا روسيا وتركيا في الفترة الأخيرة، أيّ طرف يسعى لإعادة رسم الملامح أو إدخال تغييرات على الوضع مجدّداً».
ولكن يبقى السؤال الجوهري الذي يحضر بقوة في سياق المشهد في شمال شرق سورية، يتمحور حول أسباب وأهداف البيت الأبيض لنشر عدد من القوات الأميركية بالقرب من حقول النفط التي يسيطر عليها الكرد.
مايكل شارينوف الأستاذ المساعد بجامعة الدفاع الوطني بمركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأدنى وجنوب آسيا، قال إنّ «الوجود الأميركي بالقرب من حقول النفط قد يمهّد الطريق لمواصلة مهامه لمكافحة الإرهاب في سورية، والاحتفاظ بعدد قليل من القوات الأميركية في سورية، لكن خطوط مهمة البنتاغون المقترحة لا تزال غير واضحة ومربكة تماماً».
يُفهم من تصريح شارينوف أنّ الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب في سورية، تحاول جعل أفضل الموارد النفطية لسورية رهينة، واستخدامها كورقة ضغط من أجل إجبار الدولة السورية وحلفائها على قبول مطالب الولايات المتحدة. وفي جانب آخر، تحاول واشنطن إحداث شرخ في جُملة التفاهمات التي تمّ التوصل إليها بين موسكو وأنقرة بشأن انسحاب المقاتلين الأكراد من المناطق الحدودية مع تركيا.
وعلى الرغم من القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، والإبقاء على عدد من القوات الأميركية شمال شرق سورية، إلا أنّ هذه المعطيات لا تنفي وجود تكتيكات أميركية مغايرة على الأرض، في ضوء الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة حالياً في الشرق الأوسط، وسورية تحديداً لجهة ملفي دحر داعش ومواجهة إيران. هذه الاستراتيجية الأميركية، تفرض معطيات جديدة على طاولة المعادلات السياسية والأمنية بالمنطقة ككلّ.
وعليه، فإنّ الغموض الأميركي في سورية، أو اضطراب السياسيات الخارجية للولايات المتحدة، هو اضطراب مفتعل وجزء من الاستراتيجية نفسها، فالانسحاب الذي أعلن عنه ترامب هو مشهد من حرب التصريحات، وهو موضوع رمزي وليس ذا قيمة عسكرية، لأنّ أساس التواجد الأميركي في سورية، سياسي وليس عسكري، وفيه رسالة للكرد أولاً، ثم رسالة للأتراك، إضافة إلى تحجيم التوجهات السورية والروسية والإيرانية حيال شمال شرق سورية.
نتيجة لذلك، وبالاستناد إلى ما راكمته البيانات السياسية والعسكرية للدولة السورية، وعطفاً على التصريحات الروسية التي تمحورت حول التعقيدات المُفتعلة أميركياً. بات واضحاً أنّ هناك مُعطيات قد تُعرقل الوجود الأميركي حول حقول النفط، منها التحرك السريع لوحدات الجيش السوري، بُغية إعادة السيطرة على كامل الجغرافية السورية، خاصة أنّ جُلّ المُعطيات تأتي في سياق السيادة السورية ومنع أيّ طرف من تجاوزها.
وبالتالي فإنّ الدولة السورية لن تقبل بحرمانها من مقدراتها النفطية، هذا الأمر يُضيق المجال أمام واشنطن وتوجهاتها في شمال سورية. كما أنّ تركيا، ستمنع واشنطن من إعادة استخدام النفط، لمنع تمويل الكرد.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/11/04