سرقة النفط العربي هل هي جديدة على الإدارة الأميركية؟
عبد الحكيم مرزوق
ماذا يُمكن أن نُعدَّ اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسرقة الثروات السورية من النفط والغاز؟ هل هي لصوصية؟ أم وقاحة؟ أم الإثنتين معاً؟
سرقة نفط الوطن العربي تجري منذ سنوات كثيرة وليست وليدة اليوم، فالإدارة الأميركية تُهيمن على معظم مصادر النفط في الوطن العربي وأكبرها، فهي مثلاً تسطو على نفط السعودية الذي توضع جلّ عائِداته في البنوك الأميركية.
هذا الأمر ليس سرّاً، والذي يستفيد من تلك العائِدات هي الولايات المتحدة الأميركية، وهي تلعب لعبة تعتبرها ذكيّة ولكنها لعبة مفضوحة حين أصبحت تبيع الأسلحة والذخائر للمملكة العربية السعودية بهدف الحصول على أموال النفط.
ولأن تلك المبيعات لا تكفي للحصول على أموال السعودية فقد ورّطت السعودية بتمويل الإرهاب وتمويل الحرب على سوريا وعلى اليمن وشراء المُرتَزقة في حربها الغبيّة، وقد نجحت الإدارة الأميركية بالحصول على أموال المملكة العربية السعودية بهذه الأسباب وباختلاق أسباب أخرى هي الدفاع عنها ضد مَن اعتبرتهم أعداء لها، ولهذا فإن دونالد ترامب لم يتوانَ عن مُطالبة السعودية بدفع الأموال دِفاعاً عنها إلى حد وصفها بالبقرة الحلوب التي يمكن أن يذبحها حين يجفّ ضرعها أي حين تُفلِس، وقد جعلت هذه الحروب التي تورّطت بها السعودية بوضعٍ مالي مُحرِج بسبب رعونة قيادتها.
لا تتوقّف السرقة العَلَنية عند هذا الحد، بل تتجاوزها إلى التكاليف الباهِظة التي تدفع جرّاء وجود القوات الأميركية في الخليج منذ عام 1990، فهناك تسهيلات عسكرية مختلفة لعناصر مُتعدِّدة من القوات الأميركية في الدمّام والهفوف والخُبَر وتبوك وينبع وقاعدة الملك عبدالعزيز في الظهران، وقاعدة الملك فهد البحرية في جدّة وقاعدة الملك خالد الجوية في أبها وقاعدة الرياض العسكرية وقاعدة الطائف العسكرية، وأقوى مواقع التواجُد العسكري قاعدة الأمير سلطان الجوية جنوب الرياض حيث يوجد فيها 5100 جندي أميركي، وتضمّ قيادة القوات الجوية الأميركية في الخليج التي نقلت بعض عناصرها إلى قطر، تُضاف إليها 42 مُقاتِلة إف 15 وأف 16 وأف 17، كما تتواجد في القاعدة عناصر عسكرية بريطانية (200 جندي) وفرنسية (130 جندياً) تدعمها طائرات تورناد وميراج وطائرات نقل عسكرية.
كل هذا الوجود ليس مجانياً بل تدفع تكاليفه السعودية، وهذا يعني أن السعودية تُعتَبر إحدى القواعد الأميركية في الوطن العربي، ولذلك ليس مُستغرَباً أن تكون كل أموال المملكة في جَيْبِ السيّد الأميركي فهي في الواقع مُحتلّة أميركياً وفاقِدة لسيادتها وقرارها المُستقل ولذلك لا يمكن للسعودية إلا أن تكون صهيوأميركية تُنفِّذ ما يُطلَب منها.
لا يقتصر الوجود الأميركي فقط على السعودية بل تكاد تتواجد القواعد الأميركية في كل دول الخليج، والعراق يتواجد فيه نحو آلاف الجنود بشكل رسمي ومبطّن، وفي قطر تتواجد القوات الأميركية في قاعدة "العديد" الجوية التي تقع غرب الدوحة وتُعرَف باسم مطار أبو نخلة، وتستضيف القاعدة مقر القيادة المركزية الأميركية وهي مقر لمجموعة كروب 83 التابعة لسلاح الجو المَلَكي البريطاني، ويوجد مقر لمجموعة تابعة للقوات الجوية الأميركية ومقر للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضمّ قاذفات ومُقاتلات وطائرات استطلاع، إضافة إلى عددٍ من الدبّابات ووحدات الدَعم العسكري.
وفي البحرين توجد في المنامة قاعدة أميركية هي موطِن للقيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأميركي الذي يخدم فيه 4200 جندي أميركي، ويضمّ حامِلة طائرات أميركية وعدداً من الغوّاصات الهجومية والمُدمّرات البحرية وأكثر من سبعين مقاتلة، إضافة إلى قاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزوّد بالوقود المُتمركِزة في قاعدة الشيخ عيسى الجوية.
وفي الكويت توجد قاعدة معسكر الوحدة على بُعد 60 كم عن الحدود مع العراق، وتضمّ أكثر من تسعة آلاف جندي، وكذلك معسكر عريجان وهو قاعدة أميركية فيها أكثر من تسعة آلاف جندي أميركي.
كذلك الأمر في عُمان حيث توجد خمس قواعد عسكرية لها الحق باستخدام 24 مرفقاً عسكرياً، والإمارات فيها عدَّة قواعد عسكرية منها قاعدة الظفرة الجوية وفي ميناء زايد ورشيد لاستقبال السفن الأميركية، وفي مصر أيضاً قاعدة جوية مصرية غرب القاهرة تستخدمها القوات الجوية الأميركية، وفي الأردن هناك اتفاق باستخدام المرافق العسكرية، وفي المغرب عدَّة قواعد تستخدمها الولايات المتحدة.
ماذا يعني وجود كل تلك القواعد؟
يعني أنّ الولايات المتحدة تُسيطر على كل تلك الدول، والسيطرة هنا تعني احتلالاً غير مُعلَن حيث تستولي الإدارة الأميركية على مُقدَّرات البلاد وخيراتها وسياساتها، ووجود تلك القواعد ليس مجانياً وهو بالتأكيد ليس حبّاً بالكُحل الموجود في عيون أمراء وملوك تلك الدول.
إنّ دور الولايات المتحدة عبر التاريخ قائِم على سرقة ونَهْب خيرات الوطن العربي، ولذلك فإنّ وقاحة ولصوصيّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليست جديدة، لأن الولايات المتحدة قائمة بالأساس على أساليب المافيات والسرقة والنَهْب حسب ما تظهره الأفلام الأميركية، وإذا كان الرؤساء السابقون لم يظهروا بتلك الوقاحة فلأنهم لم يُسقِطوا ورقة التوت كما أسقطها دونالد ترامب الذي اعترف رَسميّاً بسرِقَة آبار النّفط والغاز السوريّة شرق الفُرات، واقترح دعوة شركات مِثل "أكسون" لإدارتها والاستيلاء على عوائِدها.. فما الفَرْق بينه وبين قُطّاع الطّرُق وزُعماء المافيا؟ وكيف يَصمت العالم على هذهِ الجريمة؟
لصالح موقع الميادين نت
أضيف بتاريخ :2019/11/18