متفقون أم منحرفون؟
د. وفيق إبراهيم يروّج آلاف من المحللين السياسيين ومنتحلي صفة مثقفين على شاشات التلفزة الإقليمية لمقولة تزعم ان التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، يوفر للعرب حماية من التدخلات الخارجية وينقذهم من خطر الاحتلال.ويقذفون بثلاثة انواع من المخاطر التي يجابها الأميركيون في العالم العربي كما يقولون وهي المطامع الإيرانية، والإرهاب، وروسيا.لجهة الخطر الإيراني، يمكن الجزم بالاستدلال العلمي التاريخي ان إيران لم تعتدِ على بلد عربي منذ الفتوحات الاسلامية قبل الف عام تقريباً، وفي حين ان اتهام تحالفاتها في العالم العربي بأنها من الحرس الثوري الإيراني، فأمرٌ مثير للسخرية، لأن انصار الله في اليمن هم جزء من “الزيود” الذين يحكمون اليمن منذ تسعة قرون على الأقل.لقد مر عشرات المستعمرين على اليمن في مراحل تاريخية مختلفة، وتلقوا جميعاً هزائم شديدة، أسألوا الأتراك والانجليز والسعوديين، وحتى المصريين في مرحلة عبد الناصر، أما قبل الإسلام فألحقوا هزائم بالرومان والفرس والصليبيين والإغريق فقط.لجهة الحشد الشعبي العراقي فهو عراقي تاريخي ينتمي لكتلة بشرية تنتمي الى ارض السواد منذ آلاف السنين أي قبل دخول الإسلام اليه، وتحالفه مع إيران أدى الى دحر إرهاب كبير مدعوم من الأتراك والأميركيين والخليج.هذا يؤكد أن تحالف إيران مع الحشد الشعبي كان عاملاً أساسياً في تحرير العراق من الإرهاب ومنع تقسيمه حسب مشروع أميركي – خليجي علني وليس إيرانياً.كذلك فإن الدور الإيراني في سورية انما جاء بعد تدخل إرهابي كوني من حدود تركيا وبرعاية من مخابراتها وتمويل سعودي – إماراتي قطري تلبية لمطالب أميركية.هذا الدور دعم الجيش السوري ببضع مئات من المستشارين وأسلحة كثيرة ومساعدات أخرى مادية، حتى تمكن من تحرير 65 في المئة من سورية بإسناد روسي وآخر من حزب الله.حتى الآن لا أحد يعرف كيف أسهم التدخل الأميركي في إنقاذ المنطقة، بل على العكس لانه كشف التواطؤ الأميركي بدعم الإرهاب لتفتيت المنطقة.ماذا عن لبنان؟ هناك حزب الله المتهم بإيرانيته على مستوى السياسة، باعتبار انه لبناني أصلي من جبل عامل.تكفي هنا الاشارة الى ان الدعم الإيراني لحزب الله أدى الى تحرير جنوب لبنان من “إسرائيل” في العام 2000 ونجاحه في منع اجتياحها له في العام 2006، ومشاركته في القضاء على الإرهاب الدولي في سورية وجرود بلدة عرسال اللبنانية.لذلك فالسؤال هنا، هو ما هي التدخلات الأجنبية التي أنقذ الأميركيون العرب منها، ففلسطين المحتلة هي بإيدي أصدقائهم اليهود المدعومين منهم، ومدينة القدس المقدسة باعها الأميركيون للإسرائيليين مصدرين قراراً بإلغاء وكالة الاونروا ومانحين شرعية للمستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية ومقدمين لـ”إسرائيل” الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة.لذلك يسأل البعض عن هوية الذي يسطو على النفط في شرقي الفرات؟ ألم يعترف الرئيس الأميركي ترامب انه وضع يده عليه عازماً على استثماره لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية.أما فمن يحتل العراق مقيماً فيه عشرات القواعد العسكرية فهي أميركية ايضاً.فكيف يمكن اذاً اعتبار إيران خطراً يهدّد العالم العربي، وهي التي لا تحتل متراً واحداً من أراضيه، فيما يسيطر الأميركيون بالاحتلال على أراض سورية وعراقية وليبية ولديهم قواعد في البحرين والإمارات وعمان والكويت والسعودية والإمارات مع حق التزوّد بالوقود والسلع في المغرب ومصر والاردن.وهل ننسى تركيا التي تحتل بدورها عشرات آلاف الكيلومترات في شرقي الفرات والشمال الغربي السوري حتى ادلب واراضي في العراق ولديها قواعد عسكرية في قطر وليبيا.بالمقابل لا تحتل إيران متراً واحداً من المناطق العربية المجاورة. يكشف هذا العرض عن مدى الانحطاط في ثقافة الدفاع عند قسم من المحللين العرب ومنتحلي صفة مثقفين.على مستوى الإرهاب فالدور التركي – الخليجي الأميركي في دعمه عند انطلاقته غير مخفي تماماً كمستوى الوضوح في ان الذين هزموه في ميادين سورية والعراق هم الجيشان السوري والعراقي وحزب الله والحشد الشعبي، وروسيا التي شنت عليه مئة وعشرين الف غارة وإيران التي شاركت في القضاء عليه.الا تبين هذه المعطيات ان الأميركيين يشكلون وبالاً على العالم العربي وقوة احتلال لأراضيه؟ وتظهر في آن معاً ان إيران ليست قوة احتلال، بل أمنت دعماً لقوى عربية متحالفة معها يجمعها بها العداء لنفوذ أميركي يلتهم ثروات المنطقة منذ 1945 ويحتل أراضيها ويسيطر على سلطاتها السياسية.لذلك يمكن الاعتراف بأن الأميركيين يدعمون الأنظمة العربية لتقويتها في قمع شعوبها وتسهيل مسألة السطو الغربي على ثرواتها.ماذا عن روسيا؟ هل تشكل خطراً على العرب ويعمل الأميركيون على مجابهته؟المعروف أن روسيا لم يسبق لها ان احتلت ارضاً عربية في التاريخ ولم تكن قوة استعمارية كحالة الغرب.اما وجودها العسكري في سورية، فهو يحوز على الشرعية القانونية من الأمم المتحدة التي تعترف بحق اي دولة الاستعانة بقوات من دولة أخرى، وهذا ما فعلته سورية بطلبها التدخل الروسي في مكافحة الإرهاب على أراضيها.إن هؤلاء المثقفين والإعلاميين المستعربين يتوجون إيران عدواً للعرب، فيما يحتل الأتراك والأميركيون والاسرائيليون أراضي عربية بحجم دول كبيرة ويزعمون محاربة الإرهاب وهو المتحدّر من “القاعدة” الوهابية السعودية او الإخوانية التركية، ويرحلون نحو اتهام الروس في وقت تتمتع دول الخليج ومصر ومعظم الدول العربية بعلاقات جيدة مع موسكو.بذلك ينكشف تواطؤ مثقفين وإعلاميين عرب مع الأميركيين والأتراك لإبقاء العالم العربي في خدمة المستعمرين بشعارات كاذبة وزائفة.جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/12/08