آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد العزيز بن محمد الخاطر
عن الكاتب :
كاتب قطري

إنسان الخليج النفطي

 

عبدالعزيز بن محمد الخاطر 

الشخصية السائدة في مجتمعنا الخليجي اليوم نتاج الحقبة النفطية، وهذه الشخصية مهددة بالفشل والسقوط لعدم مواكبتها للمتطلبات التنموية التي يشهدها العالم حالياً، والمصاحبة لتراجع دور الدولة الشمولي في النشاط الاقتصادي لصالح القدرات الفردية، وقطاع الأعمال في تحريك الاقتصاد القومي.

هذا الفشل وذلك الإخفاق سيعود على المجتمع بانتكاسة ما لم يعد هيكلة هذه الشخصية بما يتلاءم مع تلك المتطلبات .

والطريف في الأمر، أن إنسان فترة ما قبل النفط في الخليج العربي على وجه الخصوص، كان إنساناً منتجاً، إلا أن هذه الإنتاجية تراجعت في الجيل التالي بشكل تدريجي، وبصورة عكسية مع ازدياد العوائد النفطية، لتصبح اتكالية عمياء على تلك العوائد .

لا عيب في الاستمتاع بالخيرات، ولكن كان من الأجدر التركيز وبصورة أكبر على استثمار تلك العوائد والفوائض على شكل موجودات رأسمالية أكثر منها كونها هبات وإنفاقا استهلاكيا، وتوسيع دائرة تملكها بالوسائل الاقتصادية المعروفة . فالخليج جزء من العالم، والتنمية البشرية أصبحت أهم ركائز العملية التنموية، فلابد من تقدم مفاهيم جديدة على حساب مفاهيم أخـرى سادت أثناء مرحلـة التورم بالريـع النفطي، ولابد من التركيز في التربية والتنشئة الاجتماعية على الإنتاجية والعمل والإخلاص.

ويأتي كذلك دور الدولة كموجه من خلال ربط الدخل بالإنتاجية، وجعلها العامل المحدد للحراك والتدرج الاجتماعي، ولكي يصبح نصيب الفرد من الدخل القومي معياراً أكثر دقة للعملية التنموية، لابد أن يصاحبه رقابة في توزيع الثروة، كما تشير المؤسسات الدولية ذات الشأن .

ولعل إنشاء الجهات الرقابية في دولنا الخليجية، وبالذات دولتنا الحبيبة، بداية لتوجه محمود، فالقرن الحالي هو قرن الاقتصاد الإنتاجي من الضرورة بمكان أن يتحول الاقتصاد الخليجي من الريعية إلى الإنتاجية، لنضمن له الاستمرارية والمنافسة.

من هنا تكمن أهميـة إعادة هيكلـة الإنسان الخليـجي بشكل عام على أسس جديدة، ومن أهم مرتكزات هذه الهيكلة إعداده للمنافسة وتأهيله، وليس إيجاد البديل السريع الجاهز من الغير .

فعلى المدى الطويل لا بديل عن المواطن بغير هذا التوجه وذلك التوجيه من الدولة وإلا سيحصل انفصام حقيقي بين الريع وقدرته على احتضان الشرائح التي كان يغطيها قبل التغير الكيفي الذي تمر به البلاد، الأمر الذي حفظ ويحفظ الاستقرار، فقد تتلاشى طبقات أو تنزوي لعدم قدرتها على المنافسة التي من الأصل لم توضع لها أسس واضحة وسليمة، كما لا يمكننا الخروج من ثقافة القشور الكاذبة إلى ثقافة أخرى كيفية إنتاجية تضع الأمور في نصابها الصحيح، وتعرف أهمية العمل كأساس للبقاء والسيادة والاستقلالية، وأخذ الدولة بيد المواطن إلى مَواطن الاستثمار بأشكالها وعلى رأسها البورصات توجه محمود، ولكن هذه البورصات بحاجة هي أيضاً إلى الاستقلالية أكثر، بحيث يستطيع هذا المواطن الاستفادة الحقيقية منها وبشكل أكثر اطمئناناً وثقة .

وكل ما أود الإشارة إليه أن التحولات الكبرى التي نشهدها تتطلب مواطنين معدين ومدربين وموثوقا فيهم لا أكثر، فهم أبناء من عاش على اقتصاد الكفاف، حاملين على ظهورهم كل القيم الإنسانية النبيلة، باذلين حياتهم رخيصة من أجل بلدهم ومعتقداتهم.

مسؤولية الدولة في خليجنا كبيرة اليوم، خاصة وأن الدساتير جميعها تنص على أن المواطن هو ركيزة الاستثمار الأولى، فلكي لا نصحو على سراب الإغواء النفطي يوما ما، لابد من تحويل هذا المواطن وتحويره ليصبح مالكا للمعرفة، مفصحا عن الحقيقة، واثقا من وضعه، لا يخشى يوما تتقلب فيه القرارات، طالما كان مؤمنا بتاريخه على هذه الأرض، وبحبه لقيادته التي أخلص لها آباؤه وأجداده من قبل.

صحيفة الشرق القطرية

أضيف بتاريخ :2020/01/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد