الفرصة الأخيرة لترامب لتسوية أزمته مع ايران
صالح القزويني
ابتلاع الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاهانة الكبيرة التي وجهتها ايران اليه بقصف قواته وآلياته ومعداته في قاعدة عين الأسد بمحافظة الانبار العراقية ساهم بشكل كبير انزلاق المنطقة الى حرب لايمكن التكهن بمدياتها، ولكن ليس من الواضح ما اذا كان ترامب سيستمر في بلع الاهانة أم انه يؤجل الرد عليها في الوقت الذي يراه مناسبا.
على الأرجح أن ترامب لا يريد أن تذهب الأمور الى مزيد من التوتر والتأزم، لأن المزيد منه يؤثر بشكل مباشر على عودته للبيت الأبيض في الانتخابات القادمة، ولكن كل الدلائل تشير الى أن الأوضاع لا تتجه الى الهدوء بل على العكس من ذلك تتجه نحو المزيد من التصعيد، ولعل اسقاط الطائرة الاميركية في افغانستان وكذلك اطلاق الصواريخ على السفارة الأميركية في بغداد وربما أحداث أخرى تقع لاحقا؛ أبرز مؤشرات هذا التصعيد.
بل أن الحدث المرتقب اليوم وهو اعلان ترامب عن “صفقة القرن” سيفتح الباب على مصراعيه امام المزيد من التوتر والأزمات في المنطقة، مما يجعل مصير ترامب في الانتخابات القادمة على كف عفريت.
من الواضح أن أحد الأهداف الرئيسية للتصعيد الاميركي ضد ايران والذي بدأ بالانسحاب من الاتفاق النووي ثم فرض العقوبات وأخيرا بجريمة اغتيال الشهيد سليماني، هو ممارسة أقصى الضغوط على ايران لمنعها من عرقلة الاعلان وتنفيذ “صفقة القرن”، والذي يعزز هذا الرأي هو التحاق الترويكا الأوروبية بالركب، فاستخدام آلية فض النزاع في الاتفاق النووي هي الخطوة التي لجأت اليها أوروبا للضغط على ايران لتمرير صفقة القرن، ومن المتوقع قيامها بخطوات أخرى لتتراجع ايران عن مواقعها وسياستها ضد الكيان الاسرائيلي.
ومايدعوني الى القول ان الأوربيين التحقوا بالركب الأميركي في ممارسة الضغوط على ايران من أجل تمرير “صفقة القرن” هو أن الايرانيين بدأوا بخفض التزاماتهم بالاتفاق النووي في ايار/ مايو 2019 فلماذا لم يستخدم الأوربيون الآلية في ذلك الوقت، وانما استخدموها في الوقت الراهن؟
ايران سبق أن هددت على لسان رئيسها الشيخ حسن روحاني بأنها سترد على أوروبا لو أقدمت على خطوات تصعيدية كأحالة الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن الدولي، ولوحت طهران بانهاء التعاون الأمني مع اوروبا وكذلك التعاون في مجال مكافحة المخدرات والهجرة الى أوروبا.
من هنا والى جانب التوتر في منطقة الخليج الفارسي نتيجة الجريمة الأميركية، فان التوتر في العراق واحتمال عودة المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال وتصاعد الأزمة في أفغانستان وانفجار الوضع في اليمن، كل ذلك سيؤثر بشكل مباشر على مستقبل ترامب، كما أنه من المتوقع أن تزيد كوريا الشمالية الطين بلة باجرائها تجربة نووية جديدة، وكل ذلك بكفة والمساعي التي يبذلها الديمقراطيون في مجلسي النواب والشيوخ للاطاحة بترامب في كفة أخرى، فحتى لو لم يتمكن الديمقراطيون من الاطاحة به فانهم سيشوهون صورته امام الناخب الاميركي.
عندما يرى ترامب أن الدنيا بدأت تضيق عليه وأن حظوظه بالفوز في الانتخابات بدأت تتراجع، فمن المتوقع أن يلجأ الى الأسلوب الدنيء الذي طالما لجأ اليه رؤساء الولايات المتحدة الأميركية وهو القيام بمسرحية ما ليسجلوا باسمهم انتصارا مصطنعا، لذلك ليس من المستبعد استخدام الخيار العسكري ضد ايران، إلا أن هذا الخيار محفوف بمخاطر كثيرة وفي مقدمة هذه المخاطر ردود فعل ايران واصدقائها ضد أي عدوان.
الا أن الخيار الذي لا يكلف ترامب كثيرا وربما يسهم في وصوله للبيت الأبيض مرة أخرى، هو الاتفاق مع ايران، ولكن يتعين عليه هنا تقديم التنازلات والتراجع عن العقوبات التي فرضها على ايران، غاية ما في الأمر ان على ترامب الاسراع في استخدام هذا الخيار، فالفرصة الحالية ربما لن تتكرر.
فمن المفترض أن تجرى الانتخابات البرلمانية في الحادي والعشرين من شهر شباط / فبراير القادم في ايران، وكل التوقعات تشير الى أن التيار المبدئي أو الثوري أو سمه ماشئت، سيكتسح الانتخابات المرتقبة، ومن المتوقع أن يتخذ قرارات متشددة جدا تجاه الاتفاق النووي والعلاقة مع اميركا وغير ذلك من الملفات الساخنة، عند ذلك ستتضاءل فرصة التوصل الى اتفاق سياسي مع ايران.
كما أن الرئيس روحاني ستنتهي ولايته في آب / اغسطس 2021 ومن المستحيل أن يقدم روحاني على خطوة كبيرة تجاه الاتفاق النووي أو خفض الأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية، بل على العكس فانه من المتوقع أن يقدم على خطوات متشددة تماشيا مع أجواء البرلمان، وسيتحول الى أشبه برئيس حكومة تصريف أعمال.
ربما لم يكن يقصد ترامب تحويل المنطقة الى كرة نار متدحرجة وانما الاكتفاء بممارسة الضغوط على ايران، ولكن ما نشهده في الوقت الراهن هو النتيجة الطبيعية لسياسات الرئيس الأميركي ومن المرجح ذهاب المنطقة نحو الأسوأ ان لم يتراجع عن هذه السياسات.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/01/29