تساؤلات وإجابات بين “الصّفقة” و«الصّفعة »
زاهر الخطيب
أولاً، لماذا تم الإعلانُ عن “صفقة القرن” الآن.. والأسباب الجوهرية الثلاثة؟
ثانياً، ما هو الجديدُ في “الصَّفقة”.. أَصحيحٌ هي صفقةٌ بين فريقينِ اثنين؟
ثالثاً، ماذا عن تداعيات هذا الإعلان.. وماذا على صعيدِ النتائج؟
رابعاً، ما هي الآفاقُ المستقبليّةُ لها.. والاحتمالاتُ الواقعيةُ والموضوعية؟
أولاً: لماذا الإعلانُ عن صفقة القرن الآن.. والأسباب الجوهرية الثلاثة؟
السبب الأول: تقدُّمُ منظومة المقاومة..
تطورٌ غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الصهيوني منذ العام 1917، مرتبطٌ بـ”تهديدٍ وجودي” لِكيان العدو الصهيونيّ، لم يحدُثِ البتّة حتى في مرحلة، النّهضة التي قام بها الرئيس القائد جمال عبد الناصر.
نجاحُ منظمات المقاومة الفِلسطينية في تحرير غزّة المحتلّة وجَعِلها قاعدةً للمقاومة، وإيجادُ معادلةِ ردعٍ تسببت بأزمةٍ داخلَ الكِيان الصهيوني، خلَّفت له مأزقاً كبيراً يكادُ يكون، خانقاً، بوجود مقاومة عربية شديدة البأس مُهابة، في لبنان وسورية واليمن والعراق.
السبب الثاني: الغزو الأميركي للمِنطقة..
وخاصة العراق، والهدفُ الأساسيُّ منه، حماية وتأمينَ «إسرائيل»، لأن «المحافظين الجدد»، المعروفين بـ»الإنجيليين» أرادوا من خلال السيطرة على العراق، إخضاعَ سورية ولبنان، وتدميرَ منظومة المقاومة بالكامل، لِمصلحةِ كيان العدو، الصهيوني الاستيطاني الغاصب لفِلسطينَ العربية.
وسوءُ ظَنِّ ترامب، وخيبةُ فألِه واشتدادُ مأزقِه، والأتباع باعتراف سعود الفيصل، الذي قال لـ»الأميركيين» ما معناه:
« أزلتم صدام حسين، وجئتم بإيران»، ويلٌ لنا من إيران لا سّيما والمعروفُ أنّ العَداء الأميركي الصهيوني لإيران سببُهُ الأساسيّ: نُصرةُ إيران لفِلسطين ودعمِها، لِجهادِ المقاومين «ورفضِها لِهيمنة وسيطرةِ «المستكبرين».
غزو العراق كان له الأَثرُ الأكبر في استنزافِ الجنود الأميركيّين وتحويلِ العراق، بحشدِهِ وتحالفاته في النهاية إلى قاعدةٍ داعمةٍ للمقاومة، مع لبنان وسورية واليمن، وإيران وروسيا، وسائر دول محور منظومة الحلفاء الشرفاء الرافضين للهيمنة، من أيّ جهة كان.
السبب الثالث: إخفاقُ الربيع العربي.. تآكُلُهُ، وبات شتاءً قاسياً على أميركا، والحلُّ عند الإدارة الأميركية كالعادة كان «استبدالُ» حلفائها العرب من الحكام الأتباع، «المحروقين» «فساداً» والمُستهلكين شعبياً ووطنياً، بـ»الإخوان المسلمين» المتأسلمين. والأمرُ ظهرَ عند إسقاطِ حسني مبارك وحُلولِ محمد مرسي مكانه، والمتأسلمين بعده، والهدفُ الرئيسي، من إسقاط مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، إنما كان المحطة التمهيديّة لإسقاط سورية.. لكنّ الذي حصل، أنّ سورية العروبة والمقاومة لم تسقط رغم أنف التآمر الاستعماري الكونيّ عليها بل، انتصرت سورية، وشعبُها، وأما جيشهُا فقد أصبح أقوى مما كان عليه قبل عام 2011، خصوصاً والمقاومةُ اللبنانيةُ، أحبطت الاجتياحات ودخلت عصر الانتصارات، وأصبحت إيران قوة إقليمية لا تقهر.. وقوات الحرس الثوري الإيراني، باتت على باب قوسين عسكرياً من الحدود مع الجولان العربي المحتل.
أمّا التقرير الاستراتيجيُّ الصُهيوني فيؤكد على أَنّ «إسرائيل» تواجه «تهديدات وجودية»، والضَّياع عند التوأمين الأميركي والصهيوني بلغ أشُدَّه.
وكان ما كان من القلقِ والعماء، باتخاذِ القرارِ الأغشم.. «بإعلان» النيّة لِتصفية القضية الفلسطينية جهاراً نهاراً، خصوصاً والتَّمركزُ الإيراني لم يعد بعيداً.. ضف إلى ذلك كلِّه:
«المصلحة الشخصية»، للاثنين الرئيس الأميركي ترامب، ورئيس وزراء العدو نتنياهو، حيث يواجهان «مشكلةَ» «عارٍ» عويصةِ الحلّ مع شعبيهما، فكلاهما متهمان بالفساد، وكل واحد منهما يريد تحويل الأنظار، عن مأزقه الشخصي الذي يُهدّد مصيرَه.
والاثنان مُقبلان على انتخاباتٍ سياسية باتت قريبة:
ترامب من جهته يريدُ كسب تأييد اللوبي الصهيوني في أميركا لمواجهة خصومه.
ونتنياهو يريد تعزيز وضعِهِ الانتخابي «الإسرائيليً» في مواجهة تُهَمِ الفساد التي تتهدّده وزوجته..
تلكم هي خلاصةُ، الأسبابِ الجوهرِيُّة الثلاثة، لتوقيتِ الإعلان الآن عن «صفقة القرن»، الكامنة في الأساس بانتصاراتِ المقاومة، وتنامي قوتها وتحوُّلِها بمحورها الشامل، إلى تهديدٍ جِديّ لكيان العدو الصهيوني في «وجوده» الآفِل.
ثانياً: ما هو الجديد في الصفقة: سوى أنه علنيّ إعلاميّ، ولم يعد مُموَّهاً أوَ لم يُعقد في العام 1996، مؤتمرُ شرم الشيخ في مصر وحضرهُ كل الرؤساء والقادة الأتباع من دنيا الحكام العربان المتخاذلين، وقاطعهُ رئيسا سورية ولبنان؟
وفي المقابل نرى أنه لم يحضر مؤتمرَ إعلان ترامب نتنياهو عن صفقة القرن سوى ثلاثةِ سفراء من دول المطبّعين، علماً أن الجانب الفلسطينيّ كان في حينه ممثلاًً، بالسلطة الفلسطينية لمنح الغطاء الفلسطيني لمؤتمر شرم الشيخ الذي انعقد في مصر العربية.
لقد تغيّر الحالُ في مؤتمر «صفقة القرن» ولم يحضرِ الأردن، وحتى عن دول الخليج، لم يحضر سوى ثلاثةِ ممثلين على مستوى سفراء فحسب، فهل الذين حضروا، إياهم يمثلون الأمة جمعاء؟
والأدهى من ذلك قولُ البعض إِنّ الصفقة قرّرت ضمّ القدس والضفة الغربية، فهل هذا أمرٌ كان خافياً على أحد؟؟ ألم يكن هدفاً مطروحاً منذ زمن بعيد، في اجتماعات كامب ديفيد، حيث رفضت «إسرائيل» التّخلي عن قراراتها بضم القدس والضفةِ الغربية لِكيانها الغاصب الاستيطاني، وإلا لماذا حصلت انتفاضة الأقصى؟.. ألم يكن في طليعةِ، الأسبابِ الرئيسية لاندلاع الانتفاضة؟..
لأن المفاوضات لم تؤدِ، يومذاك، إلى تراجع «إسرائيل» عن لاءاتها الثلاثة التالية: «لا لتقسيم القدس»، «لا لعودة اللاجئين»، «لا لإقامة دولة فلسطين مستقلة، على حدود 1967»؟؟
أليس «الجديدُ»، اليوم، في هذه الصفقة، إنما جاء:
بعد إقدام الإدارة الأميركيّة على نقل سفارتها إلى القدس المحتلة عملياً؟
وبعد انتقالِ الموقف الأميركي، من ادعاء الحياديّة، إلى الموقف «العلنيّ»، كطرفٍ مُلتزمٍ كلياً جانب العدو الصهيوني؟؟
ثالثاً: ماذا عن تداعيات هذا الإعلان.. وماذا على صعيدِ النتائج؟
هذه الصفقة شطبت الحلَّ السياسي بسقوط اتفاق أوسلو.. وكان محمود عباس، عينُهُ بطلَ المفاوضات السِّرية مع «الإسرائيليين» التي أفضت إلى اتفاق أوسلو، وحين يقول عباس «أنا لن أسجّل على نفسي أن أموت خائناً».. فلأن الموقف، الأميركي قطع عليه الطريق بأن يُخفي خيانتَه أو يموِّهَهَا، فيردف قوله، «أنا لم أعد أقبل مفاوضات ترعاها الولايات المتحدة الأميركية، وإنما أقبل، بمفاوضاتٍ ترعاها المجموعة الدولية وروسيا جزء منها!!!».
يعني مرة أخرى وكأنما نسمعُ عباس يقول، لا حلّ سوى بالتَّخلي عن جزءٍ من حريتنا، «ببكي وبْروح» ونوقّع على صكّ عبوديتنا بالّتخلّي عن الجزء الآخر من هذه الحرية.
بعد سقوط الدور الوسيط لأميركا، فإن أبناء الشعب العربي الأصيل في فلسطين، سيتعامل مع أميركا بعد الإعلان عن صفقة القرن، سيتعامل تماماً كما يتعامل مع «إسرائيل»، خصوصاً وقد كشفت الإدارة الأميركية عن وجهها بشكلٍ سافر وأفصحت علناً، عن التزامها الموقف الصهيونيّ.
ألا يصُبَّ ذلك في مصلحة منظومة المقاومة بعد انكشاف الوجهِ العدوانيّ التآمريّ الهمجّي، لإرادة الإدارة الأميركية الملتصقةِ التصاقاً كليّاً بالإرادة الصهيونية ضد فلسطين؟
إن صفقة القرن قد فضحت الحكام العرب المحرجين، وباتت الأنظمة الرجعية الخائنة، مكبّلَة إلى الأعناق مخنوقة فيما إذا أعلنت عن وقوفها مع أميركا.
ولن يجنيَ الحكامُ الخونةُ لفلسطين: «القضية المركزية في الصراع العربيّ الصهيونيّ»، لن يجني هؤلاء سوى الحسابِ العسير، من أبناءِ الأمةِ جمعاء، والحارِقِ من السّعير..
واللعنة من شهداء فلسطين وأحرارِ العالم ومن دماء شهداء الحقّ الأمميّين.
بين الصفقةِ والصفعة، توضيحٌ وتصحيح.. ما قيل عن الصفقة في الأساس ليس صحيحاً. فهذه ليست صفقة بين فريقين اثنين، وإنما هي بمثابة إشهارٍ لزواجٍ في الشكل فقط.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/02/12