الصحة النفس جسدية
محمد الحمزة
مفهوم الصحة لا يقتصر فقط على سلامة البدن والكمال الجسدي، بل إنّ من علامات الشخص المعافى والصحّي ضرورة أن يتمتع بالصحة النفسية والعقلية، ويكون قادراً على التفكير بوضوح وحلّ المشكلات المختلفة التي يواجهها في حياته، ويتمتع كذلك بعلاقات جيدة مع أصدقائه وزملائه، ويشعر بالراحة والطمأنينة والاستقرار، ويملك القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية، والعمل بإنتاجية تمكنه من إفادة المجتمع، فالنفس والجسد ليسا منفصلين، بل هما وجهان لعملة واحدة، إذا تأثر أحدهما بطريقة ما فسيتأثر الآخر بالتأكيد، وهذا ما أكدّته نتائج الأبحاث والدراسات العلمية التي أشارت إلى أنّ عدداً كبيراً من الأمراض الجسدية ذات منشأ نفسي، فحالة غياب الصحة النفسية هي بيئة خصبة لانتشار الأمراض داخل جسم الإنسان.
مجال علم النفس الصحي مازال صغيراً جداً فهو حديث الولادة بالذات في البيئة العربية، ولتوضيح أهميته ذكرت الأخصائية كيندرا: في السبعينات كان متوسط العمر للإنسان أقل من 100 عام بكثير حيث كان المجال الصحي مرتكز على الأمراض والأوبئة المنتشرة وكيفية تجنبها أو علاجها، واليوم متوسط عمر الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً هو 80 عاما، وأسباب الوفاة هي أمراض مزمنة مرتبطة بنمط الحياة مثل: أمراض القلب والسكتات الدماغية، ونضيف نحن أن متوسط عمر الإنسان في المملكة العربية السعودية اليوم هو 74.8 عاما والذي تسعى الرؤية في أهدافها وبرامجها لرفع إلى 80 عاما، ولذلك برز علم النفس الصحي من أجل المساعدة في فهم واحتواء المتغيرات الحياتية السريعة، من خلال دراسة السلوك الكامن وراء المرض والموت.
علم النفس الصحي هو مجال متخصص في التركيز على كيفية تأثير العوامل الفيزيولوجية والنفسية، كذلك السلوك والعوامل الاجتماعية على صحة الإنسان، يوجد أكثر من مصطلح لوصف هذا المجال مثل علم النفس الطبي، أو الطب السلوكي، أو ببساطة علم النفس الصحي. تتأثر الصحة العامة بالعديد من العوامل وأهمها انتشار الأمراض المعدية أو الإصابة بالأمراض الوراثية، لكن ما قد يجهله الكثيرون هو أن العوامل السلوكية والنفسية؛ يمكنها أن تؤثر أيضاً على الصحة البدنية العامة، ويركز علم النفس الصحي بالمقام الأول على تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض، ويركز علماء هذا المجال على فهم كيفية تفاعل الناس مع الأمراض وطرق التعامل معها وعلاجها، ويعمل بعض علماء النفس الصحيين على تحسين نظام الرعاية الصحية.
وعلى الرغم من كل هذا لايزال - للأسف - مفهوم الصحة النفسية يرتبط لدى البعض بـ(عيب اجتماعي)، فمراجعة الطبيب النفسي أو المعالج النفسي أو الاختصاصي النفسي أو الاجتماعي هي ذات نظرة سلبية لدى البعض داخل مجتمعاتنا العربية، حيث ينظر لهم كأشخاص غير أسوياء، والكلمة الدارجة التي يطلقها الناس عليهم لقب (مجانين)، فالحاجة إلى راحة النفس تتساوى مع راحة الجسد، فالجنون هو فصل الحالة النفسية عن الجسدية والاهتمام بواحدة ونسيان الأخرى.
فهل حان الوقت لتقييم صحتنا النفسية والاهتمام بها!
صحيفة الرياض
أضيف بتاريخ :2020/02/28