حرب النفط اليوم هي حرب من حروب الجيل الخامس الاقتصادية وحرب عالميه وطحن عظام وسيكون لها اثار عميقه على الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في العالم..
د. عبد الحي زلوم
حتى سنة 1970 كانت الولايات المتحدة هي المنتج الأكبر ولديها فائض يزيد عن استهلاكها المحلي وتستطيع بالفائض أن تتحكم بالعرض والطلب لتحديد السعر الذي يناسب الاقتصاد الامريكي وشركات النفط الامريكية.
بعد ان اصبحت الولايات المتحدة مستوردة للنفط بعد ذلك التاريخ اوكلت هذه المهمة الى المملكة العربية السعودية والتي اصبحت ترفع وتخفض الانتاج (بالتنسيق) مع الولايات المتحدة. كان ذلك ممكنا عندما كان الاتحاد السوفييتي معزولا عن السوق العالمي .
منذ 1970 وحتى 2006 بقيه الانتاج الامريكي في هبوط والاستهلاك في صعود فلبغ الانتاج حوالي خمسه ونصف مليون برميل باليوم في 2005 والاستهلاك بحدود عشرين مليون برميل باليوم . بعد اختراق تكنلوجي يسمى فراكنج اصبح بالامكان استغلال الزيت الصخري بحيث اصبحت الولايات المتحدة اكبر منتج للنفط في العالم حيث بلغ انتاجها 2019 حوالي 13مليون برميل يضاف الى ذلك السوائل النفطية المنتجة مع الغاز ليصبح انتاج الايدوكربون السائل حوالي 15 مليون برميل باليوم . ولكن من المغالطات ان الولايات المتحدة مكتفيه ذاتيا فالحقيقة أنها بحاجه الى استيراد 5 مليون برميل يوميا.
هذه المقدمة ضرورية لفهم ابعاد الحرب النفطية اليوم وابعادها الاقتصادية. كانت الولايات المتحدة حتى تاريخه تستغل بل وتتحكم بزيادة او هبوط اسعار النفط لمصلحة اقتصادها ولم يكن انتاجها يتأثر وانما كان انتاج الاخرين خصوصا دول الخليج العربي.
كانت الامور ترتب داخل منظمه الاوبك ولكن بعد دخول روسيا الى سوق النفط العالمي وهي اليوم ثاني اكبر منتج للنفط اصبح من غير الممكن لدول اوبك وحدها رفع و تخفيض الانتاج للتحكم بالسعر كما تريده الولايات المتحدة فاصبح ما يسمى (اوبك +) اي روسيا .كانت روسيا تقبل التنسيق مع السعودية برفع وخفض الانتاج للتحكم بالأسعار، وفي يوم الجمعة الماضي (06/03/2020) قررت روسيا عدم تخفيض انتاجها وان يكون التخفيض من الاخرين بما فيهم الولايات المتحدة. وهكذا وخلال ثلاثة ايام هبط سعر النفط صباح اليوم الاثنين الى حوالي 33 دولار ل البرميل . كان المطلوب تخفيض الانتاج العالمي لحوالي 3.50 مليون برميل باليوم لان مشكلة الكورونا قد خفضت استهلاك الصين حوالي 20% أي حوالي 2.8 مليون برميل باليوم يضاف الى ذلك هبوط الاستهلاك في كوريا الجنوبية وفي كثير من دول العالم نتيجة لتباطئ النمو .
فما هي اثار هذه الحرب النفطية وانعكاساتها الاقتصادية على العالم :
.الولايات المتحدة:
ستكون هذه هس المرة الاولى التي تتعرض لها الولايات المتحدة الى هزه ارضيه غير مسبوقة. يعتقد خبراء سوق النفط أن هناك امكانيه الى هبوط السعر الى 26 دولار للبرميل وهذا يعني كارثه لصناعة النفط الامريكي عموما و صناعة انتاج الزيت الصخري خصوصا. كلفة انتاج برميل النفط من الصخر الزيتي من اكثر الحقول هي حوالي 50 دولار للبرميل ولبعضها بين 40-45 دولار للبرميل . سعر اليوم 32 دولار للبرميل او سعر 26 دولار للبرميل كما يتوقعه خبراء السوق في حال حرب اسعار وانتاج يعني تعثر الكثير من شركات نفط الزيت الصخري وان طال الامر يعني افلاسها . وهذا يعني ايضا خسارة الولايات المتحدة جزءا كبيرا من انتاجها اليومي حيث يكون الصخر الزيتي حوالي ثلثي انتاج الولايات المتحدة الحالي .كذلك فإن طرق الانتاج الاخرى وخصوصا الانتاج من المياه العميقة سيصيبها الخسارة.
من الناحية الاقتصادية هبوط اسعار النفط يفيد الاقتصاد الاميريكي ولكن العواقب على قطاع النفط ستكون كارثيه مما يعني حاجة الولايات المتحدة الى مزيد من الاستيراد ومزيد من العجوزات في ميزانيات مدفوعاتها. يضاف الى ذلك انحسار نمو الاقتصاد العالمي والذي يزيد الامر صعوبة.
روسيا:
لن تتاثر ميزانية الاتحاد الروسي مادام السعر فوق 42 دولار للبرميل وهو السعر الذي اعتمدته ميزانية روسيا ولكن سيؤثر ذلك على ايراداتها من العملة الصعبة عندما يهبط السعر اقل من ذلك.
ـ الصين:
نتيجة الكورونا هبط الاستهلاك في الصين بنسبة 20% اي حوالي 2.8 مليون برميل باليوم علما بان السعودية والعراق هما اكبر مصدرين للنفطهما للصين . تحتاج الصين الى استيراد حوالي 7 مليون برميل يوميا وبسعر 30 دولار مقابل حوالي 70 دولار قبل ازمة الكورونا اي ان فاتورة النفط ستنخفض ب 280 مليون دولار يوميا ، حوالي 100 مليار دولار سنويا .
ـ السعوديه ودول الخليج:
انخفاض السعر من 70 الى 30 دولار يكلف المملكة العربية السعودية خساره ب 400 مليون دولار يوميا اي حوالي 150 مليار في السنه يكلف مجلس التعاون الخليجي بأكمله 300 مليار دولار .من المؤسف ان بترودولارات الدول العربية تتبخر عندما يقرر الاخرين خفض الاسعار وتتبخر حين زيادتها لسد عجوزات الدول الاخرى الغربية لا العربية .
ـ دول الاتحاد الاوروبي :.
هبوط معدل التنمية العالمية نتيجة الى الكورونا و هبوط الاقتصاد الصيني سيزيد ازمة العديد من الدول الاوروبية الا انها ستتستفيد من السعر للنفط . والحال كذلك بالنسبة لبقية الدول غير المنتجة للنفط كالاردن مثلا حيث على السعر المذكور ستنخفض فاتورة النفط الى اكثر من النصف !
كما أن ازمة الكورونا غير المتوقعة قد أثرت على النمو في الصين وبالتالي على النمو العالمي فإنه قد ينتج عن هذه الاضرابات الاقتصادية عواقب غير محسوبة تكون نتائجها كارثية ما لم يتم تدارك الموضوع بسرعه علما بأننا في لعبة عض الاصابع وعلينا ان نرى من يصرخ اولا .
لو أردت أن أتنبأ عن الحل القادم سوف (تطلب ) الولايات المتحدة من دول الخليج تخفيض الانتاج للمحافظة على سعر 50 دولار للبرميل للمحافظة على صناعة الزيت الصخري
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/03/10