هل انهيار النظام الصحي في الولايات المتحدة بداية لانهيار النظام الصحي العالمي؟
عمر عبد القادر غندور
في الوقائع قال رئيس اللجنة الاولمبية الدولية الألماني توماس باخ معلقاً على تأجيل الألعاب الاولمبية التي كانت مقرّرة في طوكيو الشهر المقبل بسبب تفشي وباء الكورونا قال: «إنّ التداعيات المالية الناجمة عن التأجيل ليست الأولوية بل الأولوية هي حفظ الحياة».
ربما فيروس كورونا المعروف طبياً باسم «كوفيد 19» نبّه العالم إلى أنّ التطاحن والصراعات على الثروات ومراكمة الأموال ليست الأولوية، بعد أن ضرب هذا الوباء في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا وفرض الرعب في كلّ أصقاع المعمورة وأوقع عشرات الآلاف بين موتى ومصابين، وحوّل دولاً عريقة وغنية ومتفوّقة الى بؤر وباء كنيويورك وعدة ولايات، وفي اسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا، وعداد الوباء لا يتوقف، فأفلست الكثير من الشركات وهبطت الأسهم وتهاوت مؤسسات عملاقة وبورصات، ما يُنبئ بركود اقتصادي عالمي أصعب وأدهى من ركود 1908 و 1909، بينما الصين استطاعت ان تتصدّى للوباء وتوقفه على الأقلّ وأصبح رصيد الوباء صفراً، ناهيك عن تراكم الأرباح الصينية وتوجه العالم الثالث الاستهلاكي الى الصين التي يراها أكثر ملاءمة من الأميركيين الذين يسيطرون على العالم بالجزرة والعصا وسلاح الحصار، واتخذت طريق الحرير سبيلاً الى الشرق الاوسط وأفريقيا وربما أوروبا.
أوَليس مفاجئاً ان تنهزم الولايات المتحدة في غضون عشرة أيام وتُعلن نقصاً في المعدات والوسائل والأدوية لمجابهة الوباء، وأعلن ترامب انّ إدارته ستشتري مئة ألف جهاز تنفس اصطناعي، وانّ في الولايات المتحدة أكبر عدد من الإصابات المؤكدة في العالم وهي 112000 حالة و1700 حالة وفاة، وقال ترامب في الساعات الماضية إنه يرغب برؤية ولاية نيويورك في الحجر الصحي إذ تحتاج الولاية الى 30,000 جهاز تنفس اصطناعي والذي زاد سعره على 45 دولار للجهاز الواحد، الى جانب نفاذ المعدات الطبية والوقاية الشخصية من المستشفيات في مدينة نيويورك.
وقال لي طبيب لبناني عبر التلفون انّ الإدارة الأميركية تصادر أجهزة فحص الكورونا PCR من العيادات الخاصة وضخت الإدارة 2 ترليون دولار لتحفيز الاقتصاد المتعثر للشركات خاصة وهي عصب النظام… وللمرافق الاقتصادية والمحتاجين والفقراء، ما سيضاعف الدين الفيدرالي 80% من الناتج المحلي.
وبدا الرئيس الأميركي ترامب لا يدري ما يفعل ويقول الشيء وضدّه! وهو الذي فاخر قبل وصول الوباء بأنه لا يأبه له، وتجاهل تحذيرات تلقاها من مقرّبين ومستشارين وسفراء، وبالغ في إطلالاته التلفزيونية وادّعى اكتشاف لقاح فعّال، بينما واصل الفيروس عدوانيته ولا من يوقفه.
ولا نتحدث عن نظرية مؤامرة فيروس كورونا وهو غاز سارين تسرّب بالخطأ من قاعدة أميركية في افغانستان، ولا عن كتاب الأميركي دين كونتز الذي نشره عام 1981 وتحدث فيه عن تطوير فيروس للحدّ من عدد سكان العالم.
وقد تستطيع مؤسسات الأبحاث في الولايات المتحدة وهي الأعرق والأكفأ ان تتوصّل الى اللقاح الناجع ولكن بعد خراب البصرة وعلى النحو الذي نراه!
ويُلاحَظ انّ كوبا التي تحاصرها الولايات المتحدة منذ عدة قرون وهي القابعة في الخاصرة الأميركية استطاعت ان تحتوي الوباء وتجد له من العلاج ما يقتله، ولا نعرف إذا كان ترامب سيدّعي القول انّ بلاده هي التي توصلت الى العلاج!
والى جانب الخبط العشوائي للإدارة الأميركية يُصرّ الرئيس ترامب على تسمية كورونا بـ «الفيروس الصيني» ثم يشيد بعد يوم أو يومين بالجهود التي تبذلها الصين في مكافحة الوباء، وتمنى لو أخطرته الصين بالوباء قبل انتشاره، بينما قالها وزير خارجيته بومبيو: «أميركا تشعر بقلق عميق إزاء النظام الإيراني الذي يتستر على التفاصيل الحيوية للفيروس».
كذلك قال ترامب: الصين لا تتعاون معنا وتحجب معلومات حيوية تتعلق بالوباء، بينما أعلنت الدولة الروسية عن استعدادها لمساعدة أميركا على احتواء الوباء.
وفي لحظة وعي غاب عنها الغرور والغطرسة جرى الاتصال بين ترامب والرئيس الصيني، وأكد ترامب احترامه لسياسة الصين الواحدة. وكان هذا الاتصال الأول الذي أجراه ترامب منذ تنصيبه، وسبقه كتاب أرسله ترامب لنظيره الصيني، وفي مضمونه وغايته طلب المساعدة الصينية بعد هذا السقوط المريع للدولة الأعظم، وعجزها عن مواجهة هذا الوباء المجهول، ونفى ترامب أن يكون الوباء صينياً.
نخلص الى القول انّ هذا العدو الذي عجزت دول العالم عن قهره استطاع ان يهزم الدولة الأعظم ويجعلها تخسر 800 مليار دولار في أول أسبوع، بينما العالم كله ينظر الى الدولة الأقوى والأغنى والمهدّدة بضياع هيبة مسيطرة منذ الحرب العالمية الثانية، وربما تكشف الأرقام فداحة خسائرها، في حين انّ منافستها الصين التي هزمت الفيروس وعادت إلى حياتها الطبيعية بينما طائرات الشحن الضخمة لديها تقلع وتحط في مطارات الدول الصديقة حاملة المساعدات والأدوية والأبحاث والاختصاصيين، وهي أكثر مناعة لمراكمة علاقاتها مع دول حليفة وصديقة.
وكان اللافت في الساعات الماضية تزاحم الأميركيين على محلات بيع الأسلحة والذخائر لاقتنائها الى جانب الأدوية، فضلاً عن المعقمات لمواجهة انتشار الفيروس.
وفي سياق متصل عبرت سفينة حربية أميركية مضيق تايوان وسط خلافات بين بكين والولايات المتحدة على خلفية فيروس كورونا المستجد. كما أعلن أسطول المحيط الهادي الأميركي انّ مدمّرة الصواريخ الموجهة USS ماك كانبل قد عبرت المضيق في وقت سابق، ويشكل مضيق تايوان ممراً رئيسياً للقوات البحرية العالمية غير انّ الصين تعتبر تايون جزءاً من أراضيها وترى في ايّ عبور في المضيق خرقاً لسيادتها.
لا شك انّ العالم اليوم أمام تطور تاريخي ستظهر ملامحه في ضوء ما تسفر عنه المعركة المستعرة بين كورونا والدولة التي كانت الأكبر والتي لن تستطع هزيمته بمفردها وهي لم تصب الإنسان الأميركي فحسب بل منظومة الدولة الأولى باقتصادها وجيشها والأساطيل والحرس الوطني وبسمعتها حين انهزمت في اول اختبار مواجهة.
ولا شك انّ العالم في زمن كورونا لن يكون كما كان من قبل، في وقت تتجلى فيه أعراض التصدّع في الاتحاد الأوروبي على خلفية اتهامات ايطاليا لفرنسا وفرنسا لانكلترا واسبانيا للمنظمة الأوروبية…، بالأنانية وحجب المساعدة وحبّ الذات في أصعب الظروف.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/03/30