واشنطن وإشكالية الانسحاب من العراق وسورية
د. حسن مرهج
من جديد يعود المشهدان العراقي والسوري إلى واجهة التطورات الشرق أوسطية، على الرغم من استحواذ فايروس كورونا على جُلّ العناوين الإقليمية والدولية، إذ لا شك بأنّ جوهر الاستراتيجية الأميركية وجُزئياتها في الشرق الأوسط، تنطلق حُكماً من العراق وسورية وجغرافيتهما ذات الأبعاد الجيواستراتيجية؛ ففي غمرة انشغال العالم بكورونا وانتشاره «الغير منطقي»، تعود إشكالية التواجد الأميركي في المنطقة من بوابة العبث بالخرائط السياسية، والذهاب بعيداً نحو تعزيز حالة اللا استقرار في المنطقة، إذ لم تعد القضية تتمحور حول انسحاب أو طرد القوات الأميركية، فهذا الأمر سيكون واقعاً لا محال، لكن لقضية الأساسية تكمن في حيثيات ومبرّرات الإدارة الأميركية حيال تواجدها في المنطقة، خاصة أنّ واشنطن تُدرك بأنّ هذا التواجد في العراق وسورية لن يطول، لكن لا ضير من العبث مُجدّداً بما حققه محور المقاومة خلال سنوات خلت؛ مع فروقات تتعلق بالمسار السياسي في سورية والعراق، وطبيعة التعاطي مع تواجد القوات الأميركية.
وردتني معلومات من مصادر خاصة، تحدثت عن وصول عناصر من المخابرات الأميركية إلى العراق وسورية، ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة، وتابع المصدر حديثه أنّ أحد هؤلاء العناصر يُلقب بـ «كلاي الصغير»، وأنّ كلاي قال له حرفياً، إنّ هناك خطة أميركية تقتضي التوجه إلى وجهاء العشائر في سورية والعراق، لتشكيل نواة مسلحة وبهدف مواجهة داعش إنْ عاد مُجدّداً. المصدر قال لـ كلاي إنّ داعش بحسب تصريحات إدارتكم قد انتهى، ليردّ كلاي بقوله نعم انتهى لكن ليس كلّ ما نعرفه سنقوله، وأضاف أنّ واشنطن لم تعد ترى في الكرد حليفاً جراء خططهم التي تمّ كشفها لجهة التقرّب من دمشق وموسكو وهذا لا يناسب استراتيجيتنا. ويتابع المصدر قوله هل داعش أيضاً جزء من خططكم في سورية والعراق، يقول المصدر هنا «كلاي» دُهش وقال لي داعش سيعود إلى سورية والعراق.
شخصياً، قد يكون ما نقله لي المصدر غير دقيق ويُراد به إيصال فكرة تتمحور حول تواصل أميركي مع عشائر سورية والعراق، الذين تربطهم صلات قُربى ووحدة الدم، وبغضّ النظر عن خطط الإدارة الأميركية وتحركات داعش الأخيرة في البادية السورية، إلا أنّ الوقائع تقتضي التأني والتعمّق في استراتيجية واشنطن حيال سورية والعراق، مع الربط بين التحركات الأميركية في سورية وإرسال آلاف القوافل العسكرية وتمركزها في شمال شرق سورية، فضلاً عن جزئية لها ما لها من وقائع ورسائل حيال نشر صواريخ باتريوت في العراق. كلّ هذه الوقائع تصبّ مباشرة في بوتقة هدف أميركي واضح المعالم، حيث أنّ واشنطن تسعى مُجدّداً لخلط أوراق الجغرافية السورية، وابقاء الساحة العراقية حُبلى بالمفاجآت التي لا يمكن التنبّؤ بمسارها.
لا شك بأنّ تحركات داعش الأخيرة في سورية، يمكن ربطها في سياق تمرير الذرائع لإبقاء القوات الأميركية في سورية والعراق، خاصة أنّ التحركات الشعبية الأخيرة في العراق ركزت على جزئية إخراج الأميركي من الجغرافية العراقية، وبغضّ النظر عن التجاذبات السياسية في العراق، إلا أنّ التوجه الحالي تتمّ هندسته وفق قاعدة إخراج الأميركي، وكذا في سورية، هناك العديد من العمليات النوعية التي نُفذت ضدّ القوات الأميركية في شمال شرق سورية. وعليه من الطبيعي أنّ أيّ شخص لديه الحدّ الأدنى من الانتماء لوطنه سيرفض أيّ وجود لقوات أجنبية على أراضي بلده، لكن قضية الوجود العسكري الأميركي مختلفة ومعقدة وتنطوي على تساؤلات عديدة حول طبيعته، ومن هذه التساؤلات: هل القوات الأميركية في العراق بعد عام 2011 قوات احتلال أم قوات حليفة؟ ولماذا تصاعدت المطالبات بانسحابها في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا هذه المطالبة تصدر فقط من الجهات السياسية –المسلحة العراقية المرتبطة بإيران؟ وهل رأي الجهات المرتبطة بإيران يمثل رأي جميع مكونات الشعب العراقي بخصوص هذه القضية؟ كما أنّ التواجد الأميركي في سورية أيضاً يحتوي العديد من التساؤلات، والتي ستظلّ مبهمة حتى ذهاب غبار فايروس كورونا، الذي أسفر عن هدوء الأوضاع أو بالأدقّ تجميدها.
حقيقة الأمر انّ إشكالية التواجد الأميركي في سورية والعراق، ستأخذ أبعاداً غاية في الحساسية، وقد نشهد خلال الفترة القادمة تحركات أكثر حساسية بالمعنى العسكري، عبر تحريك الأدوات الأميركية في سورية والعراق، خاصة أنّ واشنطن تُدرك أنه لا بدّ من تهيئة الأرضية الخصبة لتأمين وجود مستدام، فهي تُدرك أيضاً أنّ محور المقاومة بكلّ جزئياته عاقد العزم على فتح المعركة ضدّ التواجد الأميركي في سورية والعراق. هذا التوجه أيضاً تهندسه رغبات روسية صينية للحدّ من تفشي الخطط الأميركية في المنطقة، للحدّ من تداعياتها الكارثية على الجميع، وبالتالي ستكون الفترة المقبلة أيّ ما بعد كورونا عسكرية بإمتياز، ومن الضروري في هذا الإطار، تشبيك الجغرافية الممتدّة من إيران إلى العراق مروراً بسورية، لتشكيل جبهة مضادة للتوجهات الأميركية.
ولننتظر…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/04/17