ما الفرق بين إيران والسعوديّة بالنّسبة لأمريكا حتّى تمنع هذه من السلاح وتمنحه للأخرى بسخاء؟
د. محجوب احمد قاهري
من وجهة النظر الأمريكية هناك دولتان متناقضتان. دولة إيران التّي صرّح في شأنها اوّل أمس، الأربعاء، بومبيو، قائلا بانّ دولته لن تسمح لإيران بشراء الأسلحة، وانّها ستعمل على تمديد حظر الأسلحة عليها، وقد اقترب موعد رفعه. ودولة أخرى مخالفة تماما، اسمها السعوديّة، لطالما تفاخر ترامب بحكّامها وهم يشترون أسلحته بمبالغ خياليّة، ثم دفعهم الى مزيد من الشراء.
فما الفرق بين الدولتين بالنّسبة لأمريكا، حتّى تمنع عن هذه السلاح وتمنحه للأخرى بسخاء المقابل؟ وهل ستظلّ السعوديّة الابن المدلّل لأمريكا؟
في اعتقادي، الفرق بين الدّولتين يكمن في مدى تحرّرهما من القبضة الأمريكية. ولا شكّ بانّ السعوديّة لازالت في “الطّور الاستعماري الأمريكي” الذي عاشته إيران قبل 1979، حينما كانت “إيران الشاه”، الدّولة الغنيّة، ببيع النفط، لا تملك من امرها شيئا، مع انّها تامّة الاستقلال نظريّا، فلم تكن سوى لعبة أمريكيّة تنتظر من يُكسر الطوق الحديدي الذي وضعتها فيه دولة الاستكبار. وهكذا هي السعوديّة الان.
أمريكا غيّرت نهجها في التعامل مع إيران منذ 1979. وهذا تاريخ فاصل بين إيران المستعبدة وإيران الحرّة. إيران المستعبدة كان يحكمها الشاه على مدى سنوات، وكان نجم أمريكا بامتياز. لم تمنعه شراء السلاح التقليدي، بل باعته له بدون حدّ، جعلت منه شرطيّ الخليج، لمّعت صورته، وخاضعت لأجله انقلابا ضدّ مصدق، رئيس الوزراء المنتخب سنة 1953 حينما طالب بتأميم النفط. وفي مقابل ذلك كان حُكم الشاه الفعلي في دولته قاصرا، برغم استقلالها نظريا. الامريكان يقرّرون، يحدّدون السياسات، ويختارون البرلمانيين. كانت إيران المستعبدة تعيش تحت العباءة الأميركية والصهيونية، لذلك فقد “هنئت”! اما إيران الحرّة، فقد تأسّست سنة 1979 على أنقاض العباءة الامريكية، مزّقتها منذ يوم اندلاعها، وعبّرت عن ذلك بكل وضوح، وهي تحجز الديبلوماسيين الأمريكيّين. استردّت إيران حرّيتها من الشيطان الأمريكي بالخروج عن بيت الطاعة، فحُرمت من السلاح وعوقبت بأشدّ العقوبات.
وضعُ إيران المستعبدة هو نفسه وضعُ السعودية منذ نشأتها الى الان. هو نفس الوضع تماما. كان الشاه حاكما آمرا فيما مسموح به وكذلك هو حكّام السعوديّة الى الان. الاّ انّ الاحداث صارت أكثر كشْفا ووضوحا بوجود معتوهين، الأول، وليّ عهد للسعودية متسرّع، دموي، متعطّش للحكم، ويحلم بالانتصار على إيران من خلال العاب فيديو، ففتح خزائن السعوديّة لشراء السلاح. والثّاني رئيس أمريكي متعطّش للمال وفاضح، ترامب.
ترامب لم يتوانى عن فضح أصدقائه وعبيده، فعدّد لهم ترسانة السلاح التي اشتروها منه، بطريقة فاضحة ومهينة، ثمّ أكّد لهم بانّه لولا حمايته لهم لما طارت طائرة سعوديّة في سماء السعودية، ولما استمرّت السعودية لأكثر من أسبوعين امام قبيلة الحوثي. وهذا ما لا يمكن لترامب ان يقولونه لإيران مهما حدث!
ولانّ الفروقات كبيرة وواضحة بين الدولتين، فقد استعملت كل منهما السلاح من منطلقات مصالحها ومدى احترامها لذاتها. السعودية، كلّ ما فعلته بسلاح أمريكا الذي اشترته قتل أطفال اليمن، ونشر جسد خاشقجي وقطع رأس الحويطي وهو يدافع عن عدم تسلميه لأرضه لإنجاز مشاريع نيوم الصهيونيّة. وإيران، بعضُ ما فعلته بسلاحها، التي صنعت جزءا كبيرا منه بعقول وايادي أبنائها، ان دافعت عن ارضها وعن حدودها، وأهدت السلاح لأهل غزّة حتّى لا تقتلهم الرّصاصة الصّهيونية وهم عزّل، واهدت السّلاح لأبناء جنوب لبنان حتّى يحافظوا على وطنهم، واهدت السلاح الى أبناء اليمن ليدافعوا به عن أطفالهم ونسائهم وشيوخهم التي تمزقهم القنابل والصواريخ الامريكية. ثمّة فرق جوهري في اهداف السلاح بين السعوديّة وإيران، إيران تدافع به عن الحرّية، والسعوديّة تدافع به عن مصالح أمريكا والكيان الصهيوني. لذلك سمحت به أمريكا للسعودية ومنعته عن إيران.
يذهب البعض الى انّ استعمال إيران سلاحها في الجبهتين العراقيّة والسورية هو بمثابة الخطيئة. الا انّ هؤلاء لم يجيبوا على سؤال محوري، وهو كيف كان بإمكان إيران ان تتعامل مع كل الأسلحة التي استقرّت في هاذين البلدين، أسلحة من كل بقاع العالم، أمريكية، صهيونية، روسية، تركية، سعودية وإماراتية وغيرها. اكان عليها ان تصمت وكل الفخاخ تقع على حدودها؟ لا أحد يبرّر القتل مهما كان مصدره، وكذلك لا أحد يبرّر صمت دولة وكلّ الأسلحة تنصب على حدودها لإسقاطها.
في المحصّلة، إيران والسعودية مختلفتان في نظر الأمريكي، وستظلّ إيران الحرّة ممنوعة من شراء أسلحتها، وتظلّ السعوديّة المستعبدة سخيّة في شراء أسلحتها من الامريكان، الى ان يأت الوقت ويجيء الذّي يحرّر أكبر دولة عربيّة، لم تكن يوما عونا للعرب.
فهل تتحرّر السعوديّة؟ ربّما لن يكون ذلك في القريب، مع ان وليّ العهد اوغل في اثارة حفيظة كل الاطياف ضدّه ابتداء من عائلته الحاكمة، الى أصحاب الراي الى عائلة الشهيد الحويطي.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/05/02