آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي الخبتي
عن الكاتب :
خريج جامعة ولاية ميتشيجان الحكومية كلية الآداب والفنون، قسم اللغة الإنجليزية. - عمل وكيلاً لوزارة التربية والتعليم المساعد للتطوير سابقاً. - يعمل حالياً نائبا لرئيس مجلس الإدارة بمدارس دار الرواد بجدة. - حصل على عدد من الدورات بالإضافة لبعض العضويات وله عدد من البحوث العلمية.

أسئلة حول داعش

 

علي الخبتي ..

 

 هناك أسئلة محيرة ومثيرة حول حول وجود واستمرار "داعش". من تلك الأسئلة: كيف يمكن لـ"داعش" أن تقوم في مساحة تبادلها الكره والعداء وتحاربها وهي باقية وتتمدد؟ على من تبيع "داعش" بترولها ومن أي مؤسسة مالية تقبض المقابل؟ من أين تشتري "داعش" سياراتها ومعداتها؟ ومن أي ميناء تتسلم تلك المعدات؟ وكيف توصلها بسلام إلى الأراضي التي احتلتها؟ كيف لـ"داعش" أن تتمدد وتتنقل من مدينة إلى أخرى في طرق مكشوفة دون غطاء جوي وتنجح في الوصول والسيطرة؟! عدد جيش "داعش" لا يتعدى بضعة آلاف مقاتل ودون سلاح جوي، ولا يقارن عتاده بعتاد الدول التي يحتلها، ومع ذلك ينتصر؟!

 

كان صدام حسين يمتلك رابع قوة مشاة في العالم، ومع ذلك تمت هزيمته خلال أشهر قليلة و"داعش" بالشكل الذي ذكرناه ما زالت باقية وتتمدد على الرغم

مما نسمعه من وقوف الغرب ضد هذا التنظيم.

 

كيف يمكن لـ"داعش" أن تبث 250 ألف تغريدة يوميا في "تويتر" و"فيسبوك" ولا يتم تعقب تلك الحسابات والتعامل معها؟ كيف يمكن لـ"داعش" أن تصدر دستورا سمته "إدارة التوحش" يتناسب مع توجهاتها وتطبقه؟ من أين لها كل هذا التنظيم وهي حديثة التأسيس؟ من الذي يساعدها عل كل ذلك؟

 

في محاضرة مثيرة للدكتور ماكس مانوارنق، الأستاذ والباحث في كلية "Army War College" في الولايات المتحدة، ورئيس كرسي دوقلاس مكارثر للبحث في الكلية نفسها والجنرال المتقاعد قال، "إن السيطرة لم تعد عن طريق الحرب التقليدية كما عرفناها. لم تعد الحرب في زمننا اليوم تعديا على حدود. ولم تعد الحرب بين جيشين يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر. الحرب لم تعد إرسال عسكريين وآليات عسكرية، وليس بالضرورة أن يكون كل المشاركين رجالا وبالغين، بل هناك أطفال. لقد تغير مفهوم السيطرة "أو الحرب أو الغزو أو سمه ما شئت"، في عصرنا الحاضر، أصبحنا في حرب الجيل الرابع غير المتماثلة، والذي تكون فيه الحرب هي "الإكراه" compulsion. الإكراه على قبول إرادة العدو وقبول رغبة العدو.

لكن الهدف منها ليس هزيمة الجيش المقابل لأنه لا يوجد جيش أصلا، وليس الهدف منها التعدي على حدوده، لكن الهدف هو الإنهاك ببطء وثبات حتى تُسلب إرادة الدولة المستهدفة، وفي النهاية تفرض إرادتك على العدو.

 

الآن، الحرب المستخدمة أو السيطرة تكون بخلق مناطق قلاقل داخل الدولة، وخلق مساحات لا تسيطر عليها الدولة، وذلك بهدف خلق دولة فاشلةfailing state، والدولة الفاشلة هي التي لا تسيطر فيها الحكومة على كل مساحاتها، وتكون هناك مساحات وقطاعات يحكمها خارجون عن الحكومة، وهؤلاء هم شريحة محاربة وعنيفة، وهنا وبهذه الطريقة يتم خلق حالة من عدم الاستقرار destabilization، وعندما لا تكون الدولة مسيطرة، وعندما تصل إلى درجة الفشل، فإنه يمكن إكراه تلك الدولة على فعل ما يرغبه أعداؤها منها، لأن الحرب تعني "الإكراه"، سواء أكانت حربا مدمرة أم غير قاتلة. والحرب العصرية بهذه الطريقة تحقق بالضبط ما تحققه الحروب التقليدية التي تستخدم فيها الجيوش والمعدات والآليات العسكرية وهو "الإكراه". ويقول مانوارنق: إنه لهذا ستكون هناك كلمتان ستدخلان إلى قاموسنا العصري وهي "الحرب تعني الإكراه"، والحرب عن طريق الإكراه بخلق مساحات فيها قلاقل ولا تسيطر عليها الحكومة تنفذ بشروط ذكية جدا. أولا: تنفذ ببطء شديد. ثانيا: بهدوء شديد:slowly" enough and long enough".

ومحاضرة الدكتور مانوارنق تثير تساؤلات أكثر مما تعطي إجابات. فإذا نظرنا إلى العالم حولنا، وبالتحديد إلى الدول التي تكثر فيها القلاقل أو الدول التي فيها مساحات تسيطر عليها ميليشيات أو أحزاب، أهي تقع تحت هذا النوع من الحروب حتى يتم إكراهها على قبول شروط معينة أو إملاءات محددة أو إجبار تلك الدول على قبول اتفاقيات من نوع معين مع دول أخرى مجاورة أو غير مجاورة؟ وهل الهدف أيضا ترويع بعض الحكومات حتى تقبل الانضمام إلى أحلاف محددة لم تكن تقبل بها من قبل؟ أو هل الهدف أن تُعطى بعض الحكومات عن طريق القلاقل التي تُثار فيها المبررات لانتهاج سلوك معين ضد أفراد أو جماعات؟

 

من هنا، تأتي فرضية نشوء "داعش" من أجل تحقيق استعمار من نوع آخر ولعبة جديدة من ألاعيب الدول المسيطرة التي تريد أن تتخلى عن أسلوب المواجهة الذي يكلفها كثيرا من الكراهية على مستوى العالم، والأكثر من الجهد والمال والخسائر البشرية إلى طرق أكثر ذكاء، ويذهب ضحيتها من الأنفس أناس ليسوا من دولهم بل من الدول المستهدفة. أليس هذا ما نراه واقعا على الأرض؟ عالمنا اليوم أصبح أكثر ذكاء، خاصة في طرق السيطرة التي لم تعد تستخدم المواجهة والتعدي على الحدود بقوة الجيوش والسلاح والعتاد بل بالقوة الناعمة الأشد فتكا وتدميرا، والتي تمت تسميتها بـ"الإكراه". السيطرة الأكثر هدوءا وأبطأ خطوا وأشد تدميرا.

 

السؤال الآن: هل "داعش" صناعة غربية أم استغلال من الغرب لوجوده؟ نستطيع أن نقول إن الغرب سمح بوجوده لأننا نرى ما قاله الجنرال الدكتور ماكس مانوارنق يتحقق أمامنا، ورحم الله المتنبي الذي قال: فليس يصح في الأذهان شيء/ إذا احتاج النهار إلى دليلٍ.

 

ما تفعله "داعش" داخل الدول التي تسيطر على مساحات منها، يحقق ما يسمى "الإكراه" لحكومات تلك الدول، ولهذا نعتقد أن الغرب يسمح لـ"داعش" بالتمدد بهدف تنفيذ سيطرته على تلك المناطق، لأن حكوماتها ستتوسل إلى الغرب بإنقاذها.

 

هناك مستفيد من وجود واستمرار "داعش" ينفذ خلالها الغزو العصري الذي لا يطلق فيه رصاصة، ولا يخسر فيه مليما، ولا يفقد جنديا واحدا، إنه الغزو العصري، إنها الحرب التي تعني الإكراه.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/04/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد