إلى أين أنتم ذاهبون؟
ناصر محمد الجهني ..
ليس هناك أسوأ على تنمية بلد وازدهاره وتطوره من الفساد.. ينهش بنيته وينخر جدرانه ويدمر كيانه فلا تنفع معه خطط ولا تتحقق به تطلعات ولا يتم معه تقدم.. سرقة للحقوق وإحباط للآخرين وقهر للطامحين.. وخيانة للأمانة والوطن..
أثناء تعاوني مع إحدى الجهات جاءني مدير الشركة التي كنت أشرف عليها والتي كنا قد تعاقدنا معها لتنفيذ أحد المشاريع.. وبعدما أغلق باب مكتبي خلفه جلس أمامي وسألني: إلى أين أنتم ذاهبون؟.. أجبته بأنني لست ذاهبا إلى أي مكان.. قال: لا.. أنتم.. أنتم جميعا.. إلى أين ستذهبون؟ قلت له: ماذا تعني؟.. قال: الكل هنا يريد أن يسرق.. الكل هنا يريد شيئا ليس له.. الكل هنا يساومنا لتمكيننا من أداء عملنا بمقابل.. وكأنه يعمل تفضلا وتكرما ولا يأخذ مرتبا لقاء عمله.. وكأن عمله ليس واجبا عليه.. وكأن ما نعمله وتقوم به الشركة ليس من أجلكم وأجل أبنائكم ووطنكم.. كأنه من أجل بلد آخر وأناس آخرين.. أين ستذهبون؟.. لمن تتركون هذا البلد؟.. أليس هنا وعلى هذه الأرض سيعيش أبناؤكم وأحفادكم؟.. ألن يعيشوا في ظل ما تبنون وتطورون وتقدمون وتحققون أنتم لهم؟.. أم إنكم كلكم ستغادرون وترحلون عن هذا الوطن وتتركونه لآخرين ليسوا منكم ولا تربطكم بهم صلة؟.. هذا بلدكم.. وأنتم تعملون من أجله.. أليس كذلك؟.. أم إنكم هنا لمهمة تؤدونها ثم تعودون لبلدانكم ولا يعنيكم هذا البلد وأهله بأكثر من ذلك؟.. سألته من.. وماذا.. وكيف؟.. فأجابني بكل شفافية ووضوح بما يندى له الجبين.. شعرت باشمئزاز وألم.. وشعرت بالمهانة لما يحصل لبلدي من أبناء بلدي.. ولأن يأتي غريب ينكر علينا ما يرتع فيه البعض منا من دنس.. ولأنها بلدي ولأنهم أهلي لم يكن أمامي إلا أن أدافع عنهم بالممكن.. مؤكدا أن الفاسدين هنا ليسوا سوى القلة والاستثناء للقاعدة.. وأن الغالب الأعم هم الشرفاء الأنقياء.. وأن أولئك الفاسدين سيسخر بهم ويلفظهم وينساهم حتى أهليهم.. وسيلعنهم حتى وارثيهم..
بأي حق يأخذ البعض ما ليس له؟ وبأي مبرر؟ وفي حكم أي ضمير؟.. كيف ينام سارق؟ وكيف يواجه نفسه.. وأهله.. وربه؟.. كيف ينعم بما أخذه ظلما وما أكله سحتا وما ملكه بهتانا؟.. ألا يستحيون؟.. ألا يخجلون؟.. ألا يعرفون العيب؟ أم هو وهم الأمان يريدون تحقيقه بأرقام في أرصدتهم البنكية ليس إلا؟.. المضحك المبكي هو أن أول من يتندر بالفساد في بلد آخر - لمسه عند معبر دخول أو في تعامل مع شرطي أو في تفاوض مع مسؤول هناك - هم أولئك الذين مارسوا الفساد هنا في بلدهم وفي حق أهلهم ووطنهم ومستقبل الأجيال.. فهل يعلم الفاسدون الذين يظنون بفسادهم بأنهم يكنزون لأبنائهم وأحفادهم بأنهم إنما هم في الحقيقة يسرقونهم؟.. ألن يمس أبناؤهم وأحفادهم ما صنعته أيديهم من سوء منجز وتردي خدمات وسوء تعاملات؟.. ألن يمسهم ما يتسببون فيه من هدر وضياع؟.. أم أنهم سيغادرون.. كما قال صاحبنا؟
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/04/06