ولى عهد المرونة الايرانية تجاه اميركا
صالح القزويني
لقد أتت كل الاهداف التي سعى الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى تحقيقها من انسحابه من الاتفاق النووي والشروط التي وضعها لعودته اليه بنتائج عكسية.
تتلخص الأهداف والشروط في أربعة أمور:
أولا: اعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي وتمديده لعدة سنوات أخرى.
ثانيا: أن تتوقف ايران عن دعم “الارهاب”.
ثالثا: أن تتوقف ايران عن التدخل في شؤون دول المنطقة وحسر نفوذها فيها.
رابعا: أن تسمح بمراقبة دولية لقدراتها العسكرية، وتتوقف عن تطوير صواريخها الباليستية.
الأداة التي استخدمها ترامب لتحقيق هذه الاهداف هي العقوبات الاقتصادية، وكان المراد من العقوبات تحقيق أحد هدفين، اما أن ترضخ الحكومة الايرانية للشروط الاميركية أو ان يثور الشعب الايراني ضد النظام الحاكم وتتخلص واشنطن حتى النهاية من النظام الايراني.
سأمر بشكل سريع على الاهداف والشروط لأدخل الى صلب الموضوع وهو تحريض الشعب الايراني على نظامه، ففيما يتعلق بالهدف الأول فرأينا أن طهران لم ترفض اعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي وحسب بل قلصت من بعض الالتزامات التي وردت فيه، أما الهدف الثاني، فالمقصود بدعم الارهاب هو التوقف عن دعم الاحزاب والحركات التي تقاوم الكيان الصهيوني، بينما نرى ان طهران تعلن اليوم بفخر انها لاتدعم اي تحرك ضد الكيان الصهيوني وحسب بل قدمت أنواع الاسلحة للتصدي له ومواجهته، وبشأن الهدف الثالث فان ايران تحولت اليوم الى واقع ليس لاحد تجاهله والنفوذ الايراني في المنطقة لم يأت نتيجة الجهود التي بذلتها طهران بقدر الاخطاء التي ارتكبتها الدول وفي مقدمتهم الولايات المتحدة في المنطقة، وفيما يخص بالهدف الأخير فطالما أعلنت القيادات العسكرية الايرانية ان لدى البلاد أسلحة ستكشف عنها في حينها، أي أن ما تكشف عنه لا يعد شيئا أمام تلك الأسلحة.
أما بخصوص الاداة لتحقيق الاهداف وهي العقوبات الاقتصادية فكما يرى الجميع فان النظام الايراني لا يزال يقف على رجليه، وخلافا لما يدعيه ترامب فان العقوبات لم تشل قدراته، صحيح ان الشعب الايراني يعاني من العقوبات الا انها لم ترديه ولم تسقطه أرضا، بل حدث تطور سياسي مهم على صعيد موقف الشعب الايراني من العقوبات وعموم السياسة التي تنتهجها حكومة الرئيس روحاني تجاه الولايات المتحدة والاتفاق النووي، فبدل أن يتأثر الايرانيون بالعقوبات وينتفضوا ضد نظامهم، اوصلوا مرشحي التيار الذي طالما انتقد الاتفاق النووي ودعا الحكومة الى اتخاذ مواقف حازمة وحاسمة تجاه الممارسات والسياسات الاميركية والغربية.
عندما ينتخب الشعب الايراني أشخاصا يتمسكون بالنظام الحاكم ويرفضون التخلي عن مبادئ الثورة قيد انملة ولا يسمحون المساس بها بتاتا، ويشكل هؤلاء الأشخاص الأغلبية في البرلمان، فهذا يعني ان الشعب يرفض دعوات التحريض الترامبية ويعلن تمسكه بالنظام الحاكم، ويعني أيضا أن المرحلة القادمة ستشهد تغييرا جذريا في السياسة التي تنتهجها ايران تجاه العالم بشكل عام وتجاه الولايات المتحدة الاميركية بشكل خاص، عندها سيندم ترامب على فرصة الاتفاق مع حكومة روحاني.
الجميع يعلم أن توجهات التيار المحافظ الذي فاز بأغلبية مقاعد البرلمان الايراني وباشر عمله الأربعاء الماضي تختلف بالكامل عن توجهات التيار الاصلاحي الذي دعم الرئيس روحاني طيلة السنوات الماضية، غير أن الايرانيين اداروا ظهرهم للاصلاحيين وروحاني، الذي علق كل آماله على الاتفاق النووي ورهن مصير البلاد بالاتفاق الذي قضى عليه ترامب بشخطة قلم.
من أبرز مآخذ التيار المحافظ على حكومة روحاني انها كانت متهاونة ومتسامحة مع الولايات المتحدة الأميركية، وعلى الرغم من أنه لم يبق سوى عام ونيف على عمر الحكومة فانه من المتوقع أن يضغط البرلمان على نفسه ويصبر ويتحمل الفترة الباقية من عمرها، الا اذا أقدمت على خطوات من شأنها أن تستفز التيار المحافظ الذي يسيطر على البرلمان، كأن توافق وزارة الخارجية على التفاوض مع الولايات المتحدة أو أن تتراجع عن خطوات تقليص الالتزام بالاتفاق النووي، أو غير ذلك من الخطوات، عندها سيصب البرلمان جام غضبه على حكومة روحاني، وهذا يعني أن السياسة الخارجية للنظام الايراني تتجه شيئا فشيئا الى التشدد ورفض أية تنازلات.
لذلك يمكن القول أن حكومة روحاني ستتحول الى حكومة تصريف أعمال حتى انتهاء فترتها واجراء الانتخابات في حزيران/ يونيو العام المقبل، وبما أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية تجرى في نوفمبر القادم، فحتى ذلك الوقت وحتى مجيء رئيس جديد أو فوز الرئيس الحالي بالانتخابات فمن المستبعد أن يشهد الملف الايراني تحولا كبيرا.
ومما لاشك فيه فان أي تحرك عدواني لترامب خلال الفترة المتبقية من رئاسته ضد ايران سيواجه برد فعل قوي من قبل طهران، ولن يكون بوسع الرئيس روحاني التغاضي عن السياسات العدوانية مع وجود برلمان يدعو ويطالب برد فعل يتناسب مع الاجراءات الاميركية، لذلك مع الاخذ بنظر الاعتبار ظروف الانتخابات الاميركية وكذلك الانتخابات الايرانية فان المعالم الرئيسية لطبيعة التعامل السياسي بين ايران والولايات المتحدة ستتضح مع نهايات عام 2021، ولكن يمكن القول أن طهران تتجه شيئا فشيئا نحو التشدد ضد الولايات المتحدة خاصة اذا تطابقت التوقعات مع الواقع بفوز شخصية محافظة في الانتخابات الرئاسية الايرانية القادمة، وكذلك اذا فاز ترامب في الانتخابات، ولكن مع فوز جو بايدن فيها فانه من المتوقع أن يكون الهدوء هو سيد الموقف في هذا التعامل والعلاقة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/06/03