تسعير خليجي إضافيّ على خطوط المذاهب في لبنان
د.وفيق إبراهيم
لبنان ساحة تاريخية لسياسات سعودية كلفها النفوذ الأميركي باستهداف دائم لسورية وايران وحزب الله.
وبما أن لبنان ميدان اساسي لالتقاء هذه القوى، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، فتستعمل السعودية منذ ذلك الوقت نفوذيها في زعامة العالم الاسلامي والدولة النفطية الاولى لتأسيس ادوار هامة لها عبر السيطرة على بعض اجنحة الدولة اللبنانية، والإمساك بالطوائف اللبنانية على مستوى احزابها الكبرى ومرجعياتها الدينية.
لكن محصلة هذا الدور السعودي منذ ثلاثة عقود متواصلة لم تمنع حزب الله من حيازة موقع وازن في الساحة اللبنانية نتيجة حروبه في تحرير لبنان من العدو الاسرائيلي وضرب الإرهاب في سورية وجبال لبنان الشرقية، هذا الوضع أضفى عليه مكانة شديدة التميز.
هذا الى جانب فشل كل محاولات استبدال رئيس مجلس النواب نبيه بري بسياسي شيعي آخر من الموالين للفريق اللبناني ـ السعودي.
ألم تحاول السعودية إحباط المشروع الرئاسي لميشال عون، فدعمه حزب الله وأصبح رئيساً للجمهورية يؤمن علناً بقاعدة التحالف بين الدولة والجيش والمقاومة.
السعودية إذا خائبة في لبنان، حتى ان حليفها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري اصبح منهزماً، وخائباً وخارج مجلس الوزراء، وسبق له وتلقى إهانات من فريق ولي العهد محمد بن سلمان الذي اعتقله لأيام عدة في سجن سعودي بذريعة أنه لم يحارب حزب الله بما فيه الكفاية.
هذه الاوضاع تدفع بالسعودية ومعها حليفتها دولة الامارات لرفع معدلات حركتهما في لبنان، أي اضافة عيارات أقوى على السياسات السابقة، التي كانت تعتمد على عاملين: الدفع نحو صراعات طائفية بين القوات المارونية والشيعة وبين الدروز والموارنة وبين الشيعة والسنة وبين الشيعة والقوات.
يبدو ان الاتجاه السعودي الإماراتي ذاهب نحو التركيز على نوعين من الصراعات الداخلية انما في اطار من التسعير غير المسبوق.
وهما الصراع بين القوات والكتائب والأحرار مع حزب الله على قاعدة المطالبة بتجريده من سلاحه لأسباب تتعلق بالسيادة والاستقلال!!
أما النوع الثاني فيبدأ بتجميع كل القوى السنية ضمن آلية واحدة تستوعب أشرف ريفي ومصباح الأحدب والمستقبل ونهاد المشنوق والسنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي ودار الفتوى الإسلامية.
وذهبوا حتى ناحية الإمساك بتاريخية الرئيس الشهيد رئيس كرامي الذي اغتالته القوات اللبنانية التابعة لسمير جعجع، فدفعوا بمصباح الاحدب أحد سياسي طرابلس ليقول في مقابلة تلفزيونية إن سياسات رشيد كرامي كانت اقرب الى سياسات الفريق الموالي للسعودية. وبالتالي فهو كما اضاف الاحدب يرفض التحالف بين وريثه وابن شقيقه فيصل كرامي المتحالف مع حزب الله والتيار الوطني الحر.
علماً أن سمير جعجع قضى ردحاً طويلاً من الزمن في السجن لاغتياله الشهيد الرشيد ولولا العفو الرئاسي الذي وفره له المرحوم رفيق الحريري لكان لا يزال في السجن حتى اليوم.
لذلك فإن القريب الى فريق المستقبل هو جعجع وحليفه مصباح وليس رشيد كرامي.
هناك مفاجأة أخرى تكشف عن المدى المرتفع للتدخل الأميركي السعودي الجديد.
لقد دفعت السعودية باتجاه تأسيس حزب سني جديد يقوده رضوان السيد ببرنامج عمل وحيد وهو العمل على تجريد حزب الله من سلاحه، ورضوان الأستاذ الجامعي السابق يعمل في الإعلام السعودي منذ مرحلة طويلة وينشر كتابات في فنون العداء لإيران وحزب الله رافعاً عقيرته لتسعير مناخات صراع مذهبي مع الشيعة ولا ينفك يدعو الى تدمير إيران وحلفائها، سياسياً ومذهبياً، زاعماً انه متخصص في الشؤون الدينية وبوسعه تحديد من هم المؤمنون ومن هم الكفار، على الطريقة الوهابية والداعشية.
هذا الحزب «السني» ذو الهدف الوحيد ترعاه السعودية بشكل تمويلي وسياسي مباشر، لكن ما يؤسف له، ليس تأسيس هذا الحزب بالذات الذي لن يتمكن من اضافة اي قيمة نوعية على التحشيد الطرابلسي الصيداوي البيروتي الموجود حالياً. بل في انتحاله الصفة السنية الكريمة ومحاولة تصويرها وكأنها في خندق واحد مع عدو إسرائيلي مشروعه الأساسي ايضاً هو تجريد حزب الله من سلاحه وضربه نهائياً.
من ناحية أخرى تسعى السعودية والإمارات ايضاً لتأسيس جبهة مسيحية برئاسة فارس سعيد صديق رضوان السيد وذلك لبناء حزب مسيحي مماثل له الهدف نفسه وهو تجريد حزب الله من سلاحه.
بذلك يستطيع الحزبان السني والمسيحي في مراحل آنفة التحالف لمجابهة التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، مستنداً إلى مؤازرة احزاب القوات والمستقبل والكتائب والأحرار، والحزب الجنبلاطي وبعض الشيعة المتورطين.
إن كل هذه القوى لن تتمكن من تغيير موازين القوى الحالمة، لكن الخوف هو من اتجاهات لتحريض الشوارع المذهبية بافتعال صدامات واغتيالات وتوزيع رشى واموال وصولاً إلى حدود تسليح عصابات واوكار متطرفة، مع توفير مظلات شعبية آمنة لتنظيمات ارهابية على منوال داعش والنصرة، ليس لها إلا وظيفة واحدة وتتعلق برفع التوتير المذهبي والطائفي، واستدراج العدو الاسرائيلي لاستغلال هذا التوتر الأهلي المفترض لشن هجمات وغارات على مواقع حزب الله في لبنان.
هذا هو السيناريو السعودي ـ الإماراتي اللاهث لتطبيق مخطط في لبنان يتلاءم مع مشروع تحالفه مع «اسرائيل».
ألم يقل لهم السفير الاميركي في «اسرائيل» جورج فيلدمان ان «اسرائيل» هي البديل الاستراتيجي للولايات المتحدة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط؟
فهل ترعوي القوى اللبنانية وتتوقف عن مشروع الذهاب الى «اسرائيل» او انها تريد هذا الامر عن قناعة؟
هذا هو مشروع يوم السبت المقبل الذي تنظم فيه قوى السعودية في لبنان تظاهرة ضد سلاح حزب الله.
وهذا ما تريده السعودية في لبنان، بقي أن ننتظر موقف حزب الله وحلفائه المصرين دائماً على رعاية السلم الاهلي والاستقرار ولو بقوة السلاح.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/06/05