التصعيد الأميركيّ الحاليّ… لفرض التسوية.
د. وفيق إبراهيم
اللجوء الأميركي الى خنق سورية بقانون خاص بها أطلق عليه الكونغرس تسمية «قيصر» ليس في زمانه ولا أوانه.
يكفي أن بدء تطبيقه يتلازم مع نجاح إيران في تعطيل الحصار الأميركيّ المفروض عليها منذ ثلاثة عقود، بدعم أوروبي – عربي ومتنوّع، ونجحت الدولة السورية في تحرير 65 في المئة من أراضيها ومعظم مدنها الكبرى وحدودها وساحلها كما نجح العراقيون في حصر الاحتلال الأميركي لبلادهم في إطار قواعد محدودة وضمن هدنة سياسية ليس لهم فيها اليد الطولى كذي قبل.
اما في اليمن فانكسر المشروع الأميركي – السعودي ولا تزال دولة صنعاء صامدة على سواحل البحر الأحمر وجبال صعدة.
هذا بالإضافة الى ان حزب الله اصبح القوة السياسية الاساسية في لبنان من دون نسيان فنزويلا المتمردة على الأميركيين في ما يسمونه حديقتهم الخلفية.
الأمثلة على التراجع الأميركي كثيرة ولسنا بمعرض تكرارها، لكن الاضطرابات التي تجتاح الولايات المتحدة الأميركية بشكل متواصل منذ اسبوعين تقريباً هي المؤشر الحقيقي على الجيوبوليتيك الأميركي المتصدع.
ما يدفع الى التساؤل عن مدى قدرة الأميركيين في إلزام الدول بتطبيق قانون قيصر، هذا الكلام ليس موجهاً لأوروبا التي يلتزم اتحادها عادة بالأميركيين في كل اطوارهم، وتعتقد بإمكانية الاستحصال من خلال الأميركيين على ادوار في الشرق الاوسط. او للمحافظة على علاقات الشركات الأوروبية بالأسواق الأميركية الكبيرة.
هناك معطيات لا بد من الإشارة اليها، وهي أن الدول اليوم تترقب مدى فاعلية قيصر في وظيفته السورية، وتلتزم به إذا تبيّن لها أن المعترضين عليه محدودون، وترميه في حالة انبثاق اعتراض روسيّ – إيراني صيني يتواكب مع صعوبة تطبيقه في العراق ولبنان المجاورين لسورية.
فهل يشكّ الأميركيون ولو للحظة واحدة في أن الحلف الروسي الصيني الإيراني ومعه مدى واسع لن يلتزم بعقوبات قيصر ليس على مستوى تجاهله فقط، بل لجهة مقاومة تأثيره على سورية.
إن هذا الحلف هو الذي دعم سورية في الحرب المستمرة عليها منذ 2001 من دون اي تلكؤ وفي إمكانات واسعة، فروسيا وإيران تشاركان منذ ذلك التاريخ بالحرب الى جانب الجيش السوري ضد الإرهاب وتحالفاته، فيما تولت الصين تغطية جزء هام من الاحتياطات الاقتصادية مع شيء من التحفظ، لكنها تمر اليوم بأسوأ مرحلة من العلاقات مع الأميركيين وهذا له ترجمته بدفع إضافي لعلاقاتها مع سورية بالمباشر ومن خلال تعميق حلفها الروسي الإيراني الضروري لمجابهة الأحادية القطبية الأميركية في مراحل تصدعها.
فكيف يراهن الأميركيون اذاً على قيصر؟
يعتقدون أن إقفال الحدود العراقية اللبنانية من شأنه التسبّب بضرر كبير للاقتصاد السوري الذي يتعامل بشكل واسع مع العراق ولبنان مصرفياً ولجهة الاستيراد والتصدير المسموح به وغير المسموح.
ويذهب الأميركيون للاعتقاد أيضاً أن الصين قد تتلكأ في مجابهة قيصر لحاجتها للأسواق الأميركية والأوروبية، فإذا تجاوزته فبوسع البيت الأبيض تخريب العلاقات الاقتصادية للصين مع معظم مداها العالمي، وهذا ما يعمل عليه الأميركيون بإلحاح.
على الجبهة الأخرى، تمتلك كل من إيران وروسيا أوراقاً حاسمة قيد التحضير لإجهاض قيصر.
فالجمهورية الإسلامية تعرف أن إسقاط الدولة السورية بقيصر له تداعياته الإيرانية. وهذا ما لا يمكن لها المساومة عليه ويبدو أن الصواريخ التي سقطت أول أمس على مقربة من المنطقة الخضراء الأميركية في العاصمة العراقية بغداد هي الرسالة الأولى بهذا الخصوص وهي رسالة قابلة للتصعيد. وقد تصل الى مرحلة تفجير الهدنة الإيرانية الأميركية الحالية في العراق، والعودة الى مربع المطالبة بانسحاب القوات الأميركية منها. وهذا لا يعني انفجار الوضع السياسي وإلغاء أدوار حكومة الكاظمي والعودة الى العمليات الأمنية المستهدفة للقواعد الأميركية في العراق.
هناك رسائل أخرى بالبريد الروسي السوري السريع لأصحاب قيصر بالقصف الروسي السوري الذي أصاب في نقاط الالتقاء بين أرياف إدلب وحماه واللاذقية منظمات إرهابية محسوبة على الأميركيين والأتراك الى جانب القصف الذي استهدف إدلب، مع ازدياد المناوشات بين الأميركيين من جهة والروس والسوريين من جهة أخرى في شرق الفرات.
اما في لبنان الرسمي الذي لا يستطيع مجابهة قيصر مصرفياً، فهناك قوى كثيرة لا تقبل بحصار سورية، وتعرف كيف تحافظ على المدى الواسع لتبادلات اقتصادية وتجارية وزراعية مفيدة لأسواق سورية ولبنان ولن يستطيع أحد منعها.
هناك ايضاً من يعتقد أن مياه الخليج والبحر الأحمر لن تبقى على هدوئها مع البدء في تطبيق قيصر.
تكفي الإشارة هنا الى القدرات الكبيرة لكل من الصين وروسيا وفنزويلا وإيران بتزويد سورية بالقسم الأهم من مستورداتها الصناعية والغذائية والصحية.
لكن هذا التعاون لا يلغي دور الشعب السوري في مساندة دولته في مجابهة قيصر، برفض الانجرار نحو الذعر والاحتكار والتلاعب بالأسعار والتلاعب الاقتصادي والتسليم للنفوذ الأميركي وكأنه قدر مبين.
ومن جهة ثانية، يدفع الأميركيون بقيصرهم وهم يعرفون انه مادة نزاعية، تثير فوضى واضطرابات إنما نجاحها ليس أكيداً وأقرب الى الفشل.
لذلك يرمي الأميركيون بقيصر في حلبة الصراعات لجذب اطرافه الى مفاوضات لها هدف وحيد وهو المصالح الأميركية في المنطقة بشكل يستمر فيه نفوذهم في الشرق الأوسط، باعتبار ان معركة سورية هي جزء من الصراع الأميركي الروسي التركي الأوروبي على مياه البحر الأبيض المتوسط وسواحله المحتوية على كميات هائلة من الغاز والنفط.
فما هو مصير قيصر وسط هذه المعطيات؟
إن حجم ما تتعرض له سورية منذ تسع سنين أكبر من مئة قيصر وتمكنت من إلحاق الهزيمة بتحالفات دولية لم يسبق انه اجتمع مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية.
لذلك فإن تحالف الدولة السورية مع شعبها المنيع وعلاقاتها القوية بروسيا وإيران والصين وحزب الله والحشد الشعبي في العراق، هذا التحالف ذاهب نحو إحراق قيصر الممنوع عليه الآن حرق روما مرة ثانية.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/06/10