العرب تحت رحمة «السلطان» و«القيصر»؟
د. وفيق إبراهيم
العرب غائبون في سبات عميق، لا يكترثون لعودة العثمانيين الى احتلال الكثير من مناطقهم، حتى أصبحت تركيا البلد الثاني في السيطرة على أراضيهم بعد الأميركيين وقبل الإسرائيليين.
النفوذ الأميركي في الشرق الاوسط والجنوح الأميركي الى إعادة تجميع جيوشهم ضمن مراكز كبرى مع اللجوء الى حروب الاقتصاد والتجويع، وهذه من الفنون التي لا يملك الأتراك إمكانات استعمالها.
لذلك يشهد المشرق حالياً حربين متواكبتين بأسلوبي القتل بالرصاص والإبادة بالتجويع.
تتجسد الأولى في هجوم تركي كبير على شمالي العراق في جبال سنجار ومناطق هفتانين لا يلقى أي اهتمام عالمي، ويتعامل معه العرب وكأنه يجري في أقصى الأرض مكتفين بتوجيه إدانات إعلامية رصينة.
كما يبتدئ الأميركيون بشنّ حرب تجويع ضد سورية مدتها عشر سنوات متواصلة دخلت منذ يومين طور التنفيذ.
للإشارة فإن الحرب في شمال العراق ترتدي شكل اجتياح كبير ابتدأ بقصف تركي شمل 150 موقعاً وذرائعه كثيرة كحال كل المشاريع الاستعمارية التي تدعي أنها تحارب الإرهاب وتنشر الحضارة والديموقراطية وتبحث عن اسلحة دمار شامل وحماية الشعوب.
تركيا اذاً تسيطر على قسم كبير من ليبيا وأجزاء من شمالي العراق والشمال والغرب السوريين، ولها أدوار قوية في اليمن ومصر والسودان وتونس وقطر، وتمتلك نفوذاً سياسياً في المغرب ولبنان، وتسيطر على مياه البحر المتوسط بدءاً من سواحلها الى المياه القبرصية واليونان وصولاً الى المياه الليبية وجوارها من دون أن ننسى أن تركيا تحتل ثلث قبرص وتقيم عليها جمهورية للقبارصة من أصل تركي منذ العام 1974 بصمت أوروبي وآخر من الناتو.
الا يشبه هذا التمدّد التركي بدايات تشكيل السلطنة العثمانية التي ابتدأت في 1516 باحتلال سورية وجوارها العربي لمدة 4 قرون كاملة؟
الوضع اذاً شديد التشابه انما مع ظروف عربية وإقليمية، ودولية افضل من السابق لمصلحة العثمانيين الجدد.
في تلك المرحلة شكلت دول «المماليك» حائلاً كان يتصدّى للعثمانيين بشكل دائم الى ان انتصر العثمانيون في معركة مرج دابق في 1516 ملتهمين كامل مناطق العرب التي تناثرت منذ انهيار العباسيين من القرن العاشر.
إقليمياً هناك تقاطعات تركية إسرائيلية لا تبدو ظاهرة لكنها موجودة وبعمق. والدليل أن تركيا هي من أوائل الدول التي اعترفت بـ»إسرائيل» وتقيم علاقات سياسية واقتصادية عميقة معها.
حتى أن وفداً تركياً – قطرياً ذهب الى الكيان المحتل مطالباً الإسرائيليين بتجزئة ضم الضفة الغربية حتى تمرير المخطط التركي والنتائج المرجوة من «قانون» قيصر الأميركي.
ضمن هذه المعطيات، تبدو ردود فعل الخليج ومصر مضحكة. فالسعودية والإمارات تخشيان من النفوذ العثماني الجديد الممتطي ظهر الاخوان المسلمين العرب الذين يرفضون الأنظمة الملكية ويعملون على إسقاطها.
لكن خوفهم غير قابل للمجابهة، لانهم ينتظرون الموقف الأميركي، وهذا الأخير يسكت بما يكشف انه مؤيد لهذا التمدد التركي. فالأتراك في خاتمة الأمر هم جزء من الناتو قد يذهبون حيناً نحو خصوصيات شرق اوسطية يريدونها لبلادهم حصراً لكنهم لا يخرجون من الخط الأميركي خصوصاً عندما يُكشر الأميركي عن أنيابه.
هناك اذاً خطة عثمانية تستعمل قوة تركيا في منطقة عربية متهالكة وانتشار حلفائها الاخوان المسلمين في كامل المنطقة العربية – الإسلامية والموافقة الضمنية الأميركية على تعبئة الفراغات الناتجة من تراجع الدور الأميركي. فهل من المصادفات تأييد الأميركيين لدولة السراج الليبية المدعومة من الأتراك، وقبول الأميركيين للاحتلال التركي لغرب سورية وشمالها وشمالي العراق وقسم من اليمن والسيطرة على تونس السياسية؟
هذه أدوار تظهر بوضوح مدى التنسيق الأميركي العثماني في منطقة متقهقرة يحاول الحلف السوري مع حزب الله وإيران وروسيا وقف العدوانية الأميركية – العثمانية والتواطؤ الخليجي المصري.
لذلك فإن الترويج لاتفاقات مع تركيا تتعهد فيه برفض الالتزام بقانون قيصر الأميركي، ليس إلا من قبيل الدجل السياسي العثماني الذي يريد تمرير مشاريعه الاستعمارية في البحر المتوسط ودوله العربية بأقل قدر ممكن من الضوضاء والضجيج.
لتبيان نوعية هذا النفاق فإن العلاقات التركية السورية مقطوعة على كل المستويات سواء عبر الحدود او بواسطة البحر والجو، وعندما ترفض تركيا قيصر فإنها تضع شروطاً أولها إدخال جماعاتها من الاخوان المسلمين السوريين في اللجنة الدستورية من خلال رعاية أميركية لأعمال المفاوضات، وهذا بدوره كافٍ لنسف أي تغيير تركي محتمل.
العربُ إذاً بين سلطان عثماني يعمل لإعادة تاريخ السلطنة العثمانية وقيصر أميركي يعتبر أن استعادته أحاديته القطبية تمر بخنق سورية وتجويعها وإلغاء حزب الله كمنظمة جهادية ذات مدى إقليمي مناهض للنفوذ الأميركي.
وهذا يستتبع فوراً تقليصاً للدور الإيراني في العالم الإسلامي وإعادة وإعادة حصر روسيا داخل كيانها السياسي.
كذلك فإن الصين تجد نفسها مضطرة لإرجاء طموحها القطبي الى عقود مقبلة.
لذلك فإن المراهنة هي على انتصار سورية على قانون قيصر تشكل حتماً الطريق المطلوبة لمجابهة المشاريع العثمانية وطردها من المنطقة العربية.
بما يؤكد أن القيصر الأميركي والسلطان التركي يعملان بالتحالف في سورية لأنهما مدركان المشتركات بين مصيريهما.
وكما انتصرت سورية في حرب السنوات التسع فإنها ذاهبة نحو نصر جديد بالتعاون مع حزب الله وإيران وروسيا.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/06/19