المملكة العربيّة السّعوديّة بين ابن سلمان والخرائط الجديدة
د. أحمد الزين
المملكة العربيّة السّعوديّة بلاد هي أكثر بكثير من مجرّد أرض، وأقلّ بقليل من سماء…
فلعلّه لا توجد على الكرة الأرضيّة بلاد تحوي من الخيرات ما تحويه أرض المملكة ولعلّه لا توجد سماء فيها من الأبعاد الرّوحيّة ما في سماء المملكة العربيّة السّعوديّة…
مساحات تمتدّ في مدى أكثر من مليوني كيلو متر مربّع في الجزء الجنوبي الغربي من قارّة آسيا في موقع جغرافي مطلّ على البحر الأحمر والخليج العربي وعلى العديد من المنافذ البحريّة الهامّة ممّا كرّسها قوّة سياسيّة كبرى في المنطقة لا بل في العالم.. وعدد سكّان يقارب الثلاثين مليون نسمة، ونفط وغاز طبيعي ومعادن وذهب.. وفوق كلّ ذلك مكّة والمدينة المنوّرة بكلّ ما تحمله هاتان المدينتان من أبعاد روحيّة تجعلهما قبلة كلّ مسلم أينما كان على وجه البسيطة.
كلّ ذلك وسواه جعل من هذه المملكة قلباً للعالم العربي الّذي ينعم بالخير طالما أنّها تنبض بالخير..
لكنّنا في العام 2020 الّذي يشهد تحوّلات كبرى، وكأنّ الأرض تنزاح فلا تترك دولة على ما هي عليه: اقتصادات كبرى تتهاوى على وقع كورونا، وهالات تسقط عن دول كان يُعتقد أنّها عظمى فإذا بها أعجز من تؤمّن أقنعة وأجهزة تنفّس أو حتّى توابيت لضحايا الفايروس، وحدود دوليّة يُعاد رسمها بالدّم.. فأين السّعوديّة من كلّ هذا؟
بالتّأكيد هي ليست بعيدة خاصّة أنّها واحدة من دول الشّرق الأوسط، هذا الشرق الّذي لا تتجاوز مساحته الـ 7 % من مساحة اليابسة في العالم وتدور فيه رحى 93% من حروبه الطّاحنة.. فها هو العراق يتشظّى في إطار دولة فدراليّة مقسّمة على أسس عرقيّة ومذهبيّة وقد كان قبل أمد ليس ببعيد دولة موحّدة، وها هي سورية تحاول لملمة ما تبقّى منها فلا تنهض إلا لتسقط من جديد، وها هو اليمن غارق في بحر من الدّماء التي تعيد رسم خريطته لتقسمه بين جنوبي وشمالي.. أمّا الأردن وما تبقّى من فلسطين فتتهدّدهما الأخطار على وقع صفقة القرن الأميركيّة الإسرائيليّة… والقائمة تطول فهل تبقى السّعوديّة بمنأى عن مرجل الغليان في منطقة تتداخل فيها القضايا والتّداعيات؟
بالطّبع لا فمملكة الخير التي ندعو لها على الدّوام بالسّؤدد ودوام النّعم تمرّ في فترة لعلّها لم تعرف مثلها منذ التّأسيس: وليّ عهد هو محمّد بن سلمان ينتظر تتويجه ملكاً في ظلّ طعن كثير من أمراء الأسرة الحاكمة بأحقّيّة هذا التتويج، في حين رمي أغلب أمرائها في غياهب السّجون… وحرب في اليمن تستنزف الاقتصاد والطاقات دون أفق يشي بانتهائها أو حتى بتحقيق مكاسب تبرّر اندلاعها.. انخفاض في أسعار النّفط وموسم حجّ دون حجيج وبالتالي دون موارد!
لقد دكّ الحوثيّون أرامكو بالصّواريخ دون أن تبدر من الأميركيين أيّة رغبة في التّدخّل لإيقاف ذلك فهل هذا مؤشّر على رفع الغطاء الأميركي عن ابن سلمان؟
لقد وعدهم بمكاسب وإنجازات في اليمن فلم يستطع تحقيق أي من وعوده، في المقابل يبدو محمّد ابن زايد ولي عهد أبو ظبي أكثر قرباً منه للأميركيين ويبدو من خلال مجريات حرب اليمن أنّ تحالف السعوديّة مع الإمارات قد بدأ يتآكل…
العالم كلّه في ورطة وكذلك محمّد بن سلمان..
سعى في بداية ولايته للعهد أن يظهر لجيل الشباب السّعودي في صورة المجدّد القادر على التّغيير فسمح للمرأة السّعوديّة بالقيادة بعد عقود طويلة من المنع وحدّ من سلطة رجال الدّين ووعد باقتصاد ناشئ يقوم على أسس منتجة بعيداً عن النّفط فكانت رؤية 2030 ومدينة «نيوم» الموعودة التي تبدو بعيدة في ظلّ الانكماش الاقتصادي والنيران المشتعلة تحت رماد الصحراء…
أمّا السؤال الّذي يفرض نفسه بشدّة فهو: ما مصير ابن سلمان في حال رفعت أميركا الغطاء عنه؟ ومن هو البديل الّذي يمكن أن يلمّ شتاتا قد يتفرّق؟ هل تنقسم السّعوديّة بين مؤيّد ومعارض وهل تتشظّى كما تتشظّى المنطقة برمّتها؟ هل تكون خريطة السّعوديّة من ضمن خرائط كلّ بلدان المنطقة التي يُعاد رسمها بالدّم؟ أية مفاجأة تحملها الأشهر المقبلة لمحمد بن سلمان؟
لا أحد يتمنّى ذلك لكنّنا نطرح الأسئلة من باب الحرص عسانا ننتبه لما يرسم لبلادنا وعسانا نتّحد… فهل هذا ممكن؟
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/07/03