تلاقٍ عماني كويتي في وجه الإمارات خليجياً
وفاء العم
ثمة استياء عماني كويتي من سياسة الإمارات في الخليج، تكشفه تحركات مكثّفة وإصرار من الدولتين على إحداث خرق في جدار الخلاف الخليجي.
نجحت أبو ظبي في إقناع الرياض بتأجيل المصالحة مع قطر وإجهاض الوساطة الأميركية، ولكن لا يبدو أنّها الجولة الأخيرة في هذا الملف. ثمة استياء عماني كويتي من سياسة الإمارات في الخليج، تكشفه تحركات مكثّفة وإصرار من الدولتين على إحداث خرق في جدار الخلاف الخليجي. وبينما تعمل عمان على خطّ السعودية، تعمل الكويت على خطّ أنقرة.
تتبادل الإمارتان الأدوار في محاولة لضبط الإيقاع. مسؤولون في الخارجيّة العمانية، وبإشراف مباشر من السلطان هيثم بن طارق، يستأنفون تحركهم في الساحة السعودية وإرسال الرسائل لإعادة إحياء المبادرة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الحل لولا تدخّل أبو ظبي، بحسب التسريبات الأميركية.
الأمين العام لوزارة الخارجية العمانية بدر بن حمد البوسعيدي يجتمع بسفير السعودية في مسقط عيد بن محمد الثقفي، ويناقشان المواضيع ذات الاهتمام المشترك، بحسب وسائل الإعلام العمانية. وفي المعلومات، إنَّ الخلاف مع قطر كان الملف الأبرز في الاجتماع. السلطنة حمّلت سفير السعودية رسائل بشأن عودة المفاوضات، لإنهاء الأزمة الخليجية هذه المرة تحت رعاية السلطان هيثم بن طارق.
من جانبه، نقل سفير السعودية قناعة بلاده بضرورة إنهاء الأزمة الخليجية، شرط أن تنهي قطر الوجود التركي على أراضيها، إذ يبدو أنَّ الغضب السعودي لم يعد كما كان في بداية الأزمة، كما أن التمسك بالشروط المطروحة بات أقل حدة، والموقف أكثر مرونة، بحسب وصف مصدر عماني لأجواء الاجتماع.
التراجع في الموقف السعودي هو نتيجة لتراجع الدور السعودي في المنطقة؛ خسارة في سوريا، ومنها خسارة في لبنان، والملف الأهم هو التورّط في الحرب على اليمن.
ويضيف المصدر: "هناك استياء خليجي عام من سياسة الإمارات، واستمرار هذه السياسة من شأنه أن يفكّك المجلس إلى الأبد. المصلحة الاستراتيجية الأمنية والسياسية تقتضي حلّ الخلافات".
تجد مسقط من يشاركها الاستياء في ميدان السياسة. وهنا نتحدث عن الكويت. تتلاقى السّلطنة والإمارات في الاستياء من سياسة أبو ظبي ومن مقاطعة قطر. هما تتلاقيان في القناعة بضرورة إبقاء مجلس التعاون، ورفض مشروع مجلس التعاون الخليجي الجديد الذي روج له الثلاثي إبان الأزمة مع الدوحة، والإصرار على مواجهة أبو ظبي بدعم المصالحة القطرية السعودية.
السفير الكويتي لدى تركيا، غسان يوسف الزواوي، التقى في المجمع الرئاسي في أنقرة السفير محمد فردان تشاريكجي، مستشار الرئيس التركي في القصر الرئاسي.
وجّه أمير الكويت رسالة خطّية إلى الرئيس رجب طيب إردوغان، أكَّد خلالها أهمية حل الأزمات الراهنة في المنطقة بالطرق الدبلوماسية. وبحسب الخارجية الكويتية، فإنَّ الجانب التركي عبّر عن تقديره لجهود الكويت الرامية إلى لمّ الشمل الخليجي. وهنا تكمن الأهمية. رسالة تقرأ منها محاولة لحلحلة الأزمة الخليجية عبر إشراك أنقرة. واللافت أن هذه الرسالة جاءت بعد توتر في العلاقة بين البلدين، على خلفية تدخل تركيا في شمال العراق، وإدانة الكويت لهذا التدخل. وبطبيعة الحال، إنها خطوة لن تقبل بها أبو ظبي.
طَرق الكويت باب أنقرة رسالة إلى أبو ظبي، فأيّ رسالة تريد توجيهها؟
في الخلفيَّة، كان وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد قد نشر مقطع فيديو هاجم فيه المفكّر الكويتي المعروف عبد الله النفيسي. الفيديو حمل عنوان "يعمل مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية"، الأمر الذي أثار حفيظة الكويت، فالجميع يعلم أن تيار الإخوان المسلمين في الكويت قوي جداً وذو حضور فاعل في المشهد السياسي.
استشعرت الكويت باكورة تدخّل إماراتي في شؤونها الداخلية، فجاءت الرسالة واضحة: الكويت في الداخل خط أحمر. في الحقيقة، ما يجري أكبر من استياء بالنسبة إلى الكويت، ويصل إلى حد تحدي الإمارات بالنسبة إلى عمان، وذلك في ظل تصاعد التوترات بين البلدين.
سلاح الجو العماني كان قد أجرى مؤخراً عملية إنزال طائرة عمودية تابعة له في محافظة رأس مسندم، لإجلاء مواطنة ومقيم من بنغلادش، ونقله من مستشفى خصب في محافظة مسندم داخل الحدود الإماراتية إلى مستشفى خولة في محافظة مسقط. العملية أثارت حفيظة أبو ظبي. العديد من الناشطين الإماراتيين عبَّروا في "تويتر" عن استيائهم مما أسموه الخرق المتكرر لحدود الإمارات من قبل سلاح الجو العماني. المنصة باتت وسيلة لإيصال الرسائل السياسية بين الخصوم في ما بات معروفاً باسم "الجيوش الإلكترونية".
يبدو أن التصعيد العماني جاء رداً على مقتل مواطن عماني على يد حرس الحدود الإماراتيين، بعد أن حاول اجتياز السياج الفاصل بين البلدين، والذي أنشئ لمواجهة فيروس كورونا. ثمة روايتان، تقول الأولى إنَّه قتل على يد حرس الحدود، والأخرى تقول إنه قتل قنصاً بطائرة عمودية.
هذه الحادثة لم يكن لعمان أن تتركها من دون تعليق، بل وصل الأمر إلى حد التلميح بالحرب، في سابقة غير معهودة في الخطاب العماني.
الكاتب العماني حمد بن سالم العلوي نشر مقالاً تعليقاً على الحادثة بعنوان مقتل شخص وآخر مفقود في مثلث دبا: "عُمان يشهد الله لها أولاً، ثم العالم أجمع، أنها تسعى بالسلم بين الدول، لوقف الحروب وحل الخلافات بينهم، لا أن تشعلها هي حرباً ضد جوارها، أو ترسل مُتسلّلين من المخربين عبر الحدود، وعُمان إذا أعلنت الحرب على أحد، فستكون قد استنفدت كل سبل الخير، وإن أعلنتها - حينذاك - للدفاع عن نفسها ومواطنيها، وليس اعتداءً وبطراً على غيرها، أو طمعاً في ثرواته وخيرات بلاده".
تتراكم الملفات بين البلدين، وخصوصاً بعد الكشف عن خلية التجسّس الإماراتية العام الماضي، حيث باتت الساحة أكثر سخونة بين الطرفين. ولم يعد مستبعداً أن يخرج الخلاف من أروقة القصور إلى العلن.
في المجمل، تعصف الخلافات بهذه الدول من كلّ صوب، فعلى صعيد الأزمة الخليجيّة مع قطر، تبدو مسارات الحل أكثر تعقيداً، وتحمل العديد من العقد التي تعتمد في تفكيكها على مدى استجابة السعودية وحجم تأثير أبو ظبي، كما تعتمد على التنازلات القطرية وما قد تقدمه أنقرة في سبيل فك الحصار عن الدوحة. هو مشهد بأوراق كثيرة!
أما على صعيد مجلس التّعاون، ككيان جامع للمصير المشترك، فقد تغيّر بتغيّر شكل العلاقة بين الأشقاء، والتوترات والخلافات تنخر فيه، ولم تعد محصورة بين جدرانه. ربما نجح القادة الخليجيون سابقاً في إخفاء خلافاتهم طيلة عقود على قاعدة أن المشتركات أكبر من الخلافات، ولكنها باتت الآن أكثر وضوحاً للعلن، ولم يعد الأمر مستبعداً أو مستغرباً لو شهدنا انقساماً خليجياً جديداً بين الكويت وعمان في مقابل الإمارات، إضافة إلى الأزمة مع قطر، التي باتت عملياً خارج البيت الخليجي في السياسة والأمن.
لصالح موقع الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/07/27