رسالة إلى الأمين العام لحزب الله.. الوقت يضيق والفرصة سانحة
د. محمد بكر
سماحة السيد حسن نصر الله:
أربعة عشر عاماً مضت على انتصار تموز، الانعطافة الآهم في مسار الاشتباك مع العدو الصهيوني، أفرزت معادلاتٍ جديدة في المنطقة كانت الأساس والدافع للكيان الصهيوني لرسم ملامح مختلفة في المواجهة، منطلقها الداخل والوصول لجغرافية بعينها، لجهة مراكمة الفوضى التي تحقق معدلات مثالية من اشغال الجيوش الوطنية، وحركات التحرر وفي مقدمتها حزب الله, على طريق استنزاف القدرات وحرف مسار الصراع، وقالها يوماً هنري كيسنجر ومنذ بدايات التصنيع للمنتج السياسي المسمى ” ربيعاً عربياً” ، أنهم لم يصنّعوه كرمى عيون العرب وإنما من أجل النيل من الرأسين الإيرانية والسورية، نجح الخصوم كما تعلمون في الوصول إلى سورية، وعلى مراحل متعددة نجحوا في استيلاد جملة من الأوراق إلى الداخل السوري, وإنْ تساقط العديد منها بفعل استراتيجية التحالف بين دمشق وطهران وحزب الله، وادراككم للأبعاد المتقدمة لما وصفتموه بالمشروع التكفيري، وقد بات أولوية للحزب مُقدمة على كل الأولويات، لكن تداعيات إسقاط هذه الأوراق والإشتغال الإعلامي الكبير من الخصوم، أدى لنجاحهم وبكل موضوعية في ” الطعن” بصورة الحزب لدى قاعدة ليست بالقليلة من الجمهور العربي، والوصول إلى مطارح بعيدة في تشوية صورة الحزب، ولعلكم اليوم تدفعون ثمن ماوصفتموه بحماية الظهر عندما انخرطتم في الحرب السورية، وأعلنتموها صراحة أن طريق القدس من حلب والزبداني وحمص.
سماحة السيد:
تدركون أن تفجير واستهداف مرفأ بيروت هو يأت كمرحلة متقدمة من مشروع بعينه يستكمل سيناريوهاته وخططه بذات التكتيك الذي استخدم في جبهة سورية، والعين مسمرة فقط باتجاه الداخل اللبناني والعنوان هو شخصكم وحزبكم ، وتتابعون مدى الاشتغال الإعلامي الإسرائيلي على قاعدة هز الصورة وتأليب الشارع ضدكم.
السيطرة على الجليل :
في خطابٍ تاريخي أعلنتم في إطار توجيه الرسائل السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني أنه في حال اعتدائه على لبنان، قد تطلب قيادة المقاومة من كوادرها ان تسيطر على الجليل، ولاشك انكم ترسمون تصوراً دقيقاً لماهية هذا الإعلان وتفاصيل دقيقة لجهة تطبيقه وإنفاذه، وهو مايدركه الإسرائيلي جيداً الذي نجح في تأخير هذا السيناريو من خلال جملة من مرتكزات الإشغال الذي تحدثنا عنها، واليوم تصل نيران هذا الإشغال للداخل اللبناني، ويدفع الإسرائيلي لجركم وجر محور بعينه لمواجهة يُحضّر لها منذ سنوات، ولعل مايفرزه المشهد السياسي بكليته من إنفاذ مشروع التطبيع مع دول عربية بعينها هو في إطار ان يُصرف في النهاية من أجل هذه المواجهة، صحيح أن المواجهة مع الإسرائيلي قد تترك كثيرا من مشاهد الدمار والخراب لكنها لن تكون مطلقاً ذات تكلفة أعلى من الانشغال بإطفاء نيران الداخل والعودة بالزمن إلى الوراء، فالتحضير لرد استراتيجي يخلط حسابات الإسرائيلي، ومكاثرة ممهدات الوصول للجليل هو الحل الوحيد للتعامل مع مرحلة خطرة وحساسة يمر بها لبنان.
مشروع محمد الضيف على الطاولة :
في كانون الثاني من العام 2015، اغتال الكيان الصهيوني جهاد عماد مغنية وعدد من رفاقه في القنيطرة، حينها أبرق إليكم القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف برقية تعزية، أكد فيها على نقطة هامة تشكل اللبنة الأساسية لمشروع متكامل هو وحده القادر على تلقين الإسرائيلي درساً لن يُمحى من ذاكرته، وهو مشروع وحدة المقاومة وتوحيد النيران بين لبنان والجولان وفلسطين، غاب هذا المشروع وغابت معه مفاعيله التي كانت كفيلة بدفن كثير من السيناريوهات الإسرائيلية قبل أن ترى النور، من هنا كان اغتيال جهاد مغنية وسمير القنطار، في إطار ماتقول عنه اليوم إسرائيل صراحة عبر وسائل إعلامها ونقلا عن المؤسسة الأمنية، بالبنية التحتية لحزب الله في الجولان والتي كانت أيادي الشهيدين جهاد وسمير حاضرة وأساسية في تمكين هذا المشروع، فاليوم ليس ثمة وقتٌ أفضل من هذا الوقت للتطبيق العملي لرؤية محمد الضيف، وآن لجبهة الجولان ان تكون منطلقاً ومنصة إضافية لإطلاق مسلسل الإيلام المزدوج في المواجهة مع الإسرائيلي.
سماحة الأمين العام :
دماء جهاد وعماد وسمير ومصطفى بدر الدين، وكذلك جمهور المقاومة يتوقون لأيام الزمن الجميل، والتطبيق العملي لرؤية الألوية الإسرائيلية وهي تُسحق أمام شاشات التلفزة كما قلتم، ولمشهد ساعر 5 وهي تغرق ومعها عشرات الجنود الصهاينة في إعلانكم الأشهر ، فرفع السقف له حدين، ولطالما ان الأمر أُنجز كما قلتم في الفديو الأشهر، فلا تتركوا الزجاج ينكسر، فيستحيل الاصلاح، سارعوا نحو مشهدٍ يُخرس فيه الوضوح كل تأويل، فلا انحراف فيه يأسر المسار، ولا اضطّرار معه يحجب البطولة ولا مشروع تكفيري يُعطْل البوصلة، فالوقت ضيق وسيفُه ماضٍ وبتّار.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/08/13