خطورة الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي على أمن الخليج
شارل أبي نادر
استناداً إلى الموقع الجغرافي الفريد للإمارات، والمتعدد المميزات الاستراتيجية، يمكن فهم لماذا حصل هذا الاتفاق أولاً معها، وليس مع البحرين أو السعودية أو سلطنة عمان.
لا يختلف اثنان على خطورة الاتفاق الإسرائيلي - الإماراتي، وتأثيره السلبي في قضايا العرب والإسلام وفي الصراع ضد الكيان الصهيوني، فالإمارات العربية المتحدة دولة غنية وصاحبة نفوذ غير بسيط في المنطقة، كما أنها تملك إمكانيات مالية ودبلوماسية مهمة، وبالتالي أن توقّع اتفاقاً مع العدو الإسرائيلي، فهذا يعني على الأقل أنها خرجت عملياً من جبهة المواجهة المفترضة ضد هذا العدو، وبالتالي ستخسر هذه الجبهة عبر الاتفاق المذكور الكثير من العناصر والإمكانيات والنفوذ الذي كان من المفترض أن تؤمنه لها الإمارات العربية المتحدة.
أيضاً، لا يمكن لأيّ متابع جدّي إلا الاستنتاج بأن "إسرائيل" لن تكتفي من اتفاقها مع الإمارات بما ظهر من بنوده من علاقات اجتماعية وسياسية ودبلوماسية وثقافية وسياحية، أو الاستنتاج أيضاً بأنها لن تكتفي بما حصلت عليه في الاتفاق من مساعدة الإمارات لها في رحلة التطبيع مع العرب، فهي حتماً ستجعل منه نقطة بداية للانطلاق في استراتيجية واسعة ومتشعبة تبدأ مسيرتها بعد اختراق الخليج والوصول إلى الإمارات.
صحيح أن كلّ تلك النقاط مهمة، وتعتبر نقاطاً رابحة للعدو الإسرائيلي في السياسة والثقافة والسياحة والدبلوماسية والاجتماعيات وغيرها، إنما في الواقع، يمكن لـ"إسرائيل" تعويضها أو تأمينها عبر أي اتفاق آخر مع أية دولة عربية أخرى، إذ سيشكّل ذلك حدثاً مفيداً لـ"إسرائيل". وفي نتيجته، سوف تخرج دولة عربية من مسار مواجهتها، وتدخل في مسار التطبيع معها.
في الواقع، يبقى كل ما ظهر في اتفاق الإمارات مع "إسرائيل" من نقاط سوف تكتسبها الأخيرة، غير ذي قيمة فعلية لو تمّت مقاربتها بطريقة مجردة كاتفاق عادي بين دولتين، وذلك مقارنة مع ما يمكن أن تكتسبه "إسرائيل" من نقاط استراتيجية على الخليج وبمواجهة إيران، انطلاقاً من الإمارات بالتحديد. وهنا تكمن خطورة هذا الاتفاق وحساسيته بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية التي تُعتبر اليوم القائد الفعلي والأساسي لمحور المقاومة، كرأس حربة وحيد من بين أغلب العرب والمسلمين في مواجهة "إسرائيل" باعتبارها مغتصبة للحقوق العربية والإسلامية، وفي مواجهة مسيرة التطبيع معها.
انطلاقاً من ذلك، يمكن أن نعتبر أنَّ إيران هي المُستَهدَف الأكبر من هذا الاتفاق، وذلك على الشكل التالي:
في نظرة بسيطة إلى خارطة منطقة الخليج وموقع الإمارات العربية المتحدة فيها، نجد أن الأخيرة، إضافة إلى تقاسمها مع إيران الإمساك شبه الكامل لمضيق هرمز، استناداً إلى القانون الدولي والصلاحية على المياه الإقليمية، تملك أكثر من واجهة ساحلية استراتيجية على كل من الخليج غرب مضيق هرمز، وعلى خليج عمان شرق المضيق المذكور، إضافة إلى واجهة حيوية على الساحل الغربي للامتداد المائي بين بحر العرب وخليج عمان، مع سواحل سلطنة عمان حتى مداخل الخليج الفارسي في مضيق هرمز، إضافةً أيضاً إلى وجود الإمارات في نقطة وسيطة تقريباً بين أهم الموانئ في المنطقة: كوادر (باكستان) وجابهار – بندر عباس - بوشهر (إيران)، والمرافئ الكويتية والعراقية على الخليج.
من هنا، واستناداً إلى هذا الموقع الجغرافي الفريد للإمارات، والمتعدد المميزات الاستراتيجية، يمكن فهم لماذا حصل هذا الاتفاق أولاً معها، وليس مع البحرين أو السعودية أو سلطنة عمان مثلاً، رغم أنَّ إمكانية اتفاق إحدى تلك الدول مع "إسرائيل" موجودة أصلاً، وكانت ممكنة، تماماً مثلما حدث مع الإمارات، وربما أكثر، نظراً إلى العلاقات المخفية والظاهرة بين تلك الدول و"إسرائيل".
من الطبيعي إذاً أن عين "إسرائيل" كانت، وما زالت، على هذا الموقع الجغرافي الحيوي للإمارات، إذ ستعمل، وعبر التواجد العلمي والإلكتروني الذي سوف "تزرعه" في الإمارات تحت غطاء التعاون العلمي والثقافي، على استغلاله من الناحية الاستراتيجية والعسكرية، على الأقل لناحية الاستعلام والحصول على المعلومات الاستخبارية عن القدرات الإيرانية البحرية وغير البحرية، إذ إن البقعة الأساسية والأكثر حيوية لتلك القدرات الإيرانية موجودة على تخوم السواحل الإماراتية، وفي منطقة قريبة جداً منها، وبمواجهتها، الأمر الذي يعطي "إسرائيل" نقطة ارتكاز حساسة ومؤثرة في المنطقة الأكثر حساسية بالنسبة إلى إيران، لناحية الموقع والنفوذ الاستراتيجي أو لناحية الدفاع عن الأمن القومي الإيراني.
من ناحية أخرى، ونظراً إلى قدرات "إسرائيل" المعروفة في التقنيات الإلكترونية وبرمجيات وتطبيقات الكومبيوتر والأقمار الاصطناعية وطائرات المراقبة والتجسّس المسيرة، والتي تتجاوز قدرات الإمارات بأشواط، الأمر الذي يجعل الأخيرة عاجزة عن فهم تلك التقنيات الإسرائيلية وضبط حركتها ونشاطها وأهدافها، فإن الإمارات سوف تشكل بالنسبة إلى "إسرائيل" قاعدة فعالة لرصد إيران ومراقبتها والتنصت على منشآتها ومرافقها المدنية والعسكرية.
هذا إذا بقي الموضوع محصوراً فقط في التنسيق العلمي والاتفاقيات المرتبطة بهذا التنسيق، ولكن من الوارد جداً والمنتظر بنسبة كبيرة أن يتطور الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي إلى تبادل قواعد عسكرية، مع ما يمكن أن يفرزه ذلك من تواجد عسكري إسرائيلي، بحري أو بري، على سواحل الإمارات بمواجهة إيران، الأمر الذي لن تقبل به حتماً الأخيرة، لما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد خطر لأمنها وسيادتها، إضافةً إلى ما يمكن أن يخلقه من توتر كبير في منطقة الخليج وفي منطقة مضيق هرمز.
ويبقى الرد على الرسالة الإماراتية لإيران، والتي اعتبرت فيها أنَّ معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية قرار سيادي إماراتي ليس موجهاً إلى طهران، هو أن الأمن القومي للدول بشكل عام، وخصوصاً دول الجوار على الخليج، إذا لم نقل الدول الإسلامية أو العربية الإسلامية، هو أمن جماعي، ولا يمكن أن يكون فردياً، وبالتالي، إن أي اتفاق ثنائي يجب أن يراعي أمن الدول المجاورة وسيادتها.
من الواضح أنَّ هذا الاتفاق يُشكّل، وبشكل واضح لا لبس فيه، تهديداً خطيراً لأمن إيران وسيادتها، وخصوصاً في ظل هذا الاشتباك العنيف في الخليج ومضيق هرمز وخليج عمان وبحر العرب، والأهم، في ظلّ هذا الصراع والاشتباك الأميركي - الإسرائيلي ضد إيران.
لصالح موقع الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/08/19