الحكومة والقطاع الخاص.. من يفصل بينهما؟
فائز صالح جمال ..
وأعني هنا بالحكومة وزارة العمل والوزارات المعنية في الأصل برعاية وتسيير شؤون القطاع الخاص ودعمه ليقوم بأدواره في التنمية وتهيئة فرص الكسب والتجارة وخلق فرص العمل..
فما فتئت وزارة العمل تكرر قراراتها وبرامجها غير الناجحة واحدا تلو الآخر.. ولعل آخرها قرارها بسعودة قطاع الاتصالات بنسبة 100% خلال ستة أشهر..
المؤسف أن تكرار الفشل في سعودة قطاعات معينة بنسبة 100% لم يمنع وزارة العمل من تكرار نفس التجربة، وكأن من يقومون على صياغة مثل هذه القرارات يعيشون في كوكب آخر..
فقرار سعودة سيارات الأجرة فشل، وقرار سعودة نقل الحجاج فشل، وقرار سعودة أسواق الخضار فشل..
والفشل كان حليف قرارات أخرى مثل القرارات الخاصة برفع كلفة العمالة الوافدة بدءا برفع رسوم التأشيرات من 50 ريالا إلى 2000 ريال، ورفع رسوم الإقامة من 150 إلى 500 ريال، ثم قرار فرض رسم صندوق تنمية الموارد البشرية 150 ريالا سنويا ثم رفعه إلى 2400 ريال سنويا..
وكنت ممن كتب مرارا حول تكرار فشل قرارات السعودة بسبب عدم واقعيتها وعن آثارها السلبية على القطاع الخاص والمجتمع وتكلفتها التي لا تتناسب إطلاقا مع العائد من وراء فرضها..
وحذرت من عواقب عدة لعل أبرزها عاقبتان: الأولى المتعلقة بالكلفة الأخلاقية والثانية بالكلفة المادية وللأسف كلاهما وقع ولم تحرك الجهات الحكومية ولا حتى الأهلية أي ساكن..
ففيما يتعلق بالعواقب الأخلاقية لقرارات السعودة غير الواقعية فتتمثل في تدمير منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع، وتطبيع السلوكيات الخاطئة، فعلى سبيل المثال نسب السعودة المطلوبة لكي تتمكن المنشآت من تسيير أعمالها -ولا أقول نموها وازدهارها- غير قابلة للتحقيق في غالب القطاعات التجارية والصناعية، وهو ما دفع أصحاب المنشآت إلى الاحتيال والخداع والسعودة الوهمية اضطرارا، وبدلا من أن تعيد الجهات المعنية بالسعودة النظر بواقعية ظلت تمعن في التضييق والضغط الذي ولد المزيد من السلوكيات الخاطئة وفتح أبوابا للفساد..
وأما ما يتعلق بالعواقب المادية فقد أسهم العمد إلى رفع كلفة العمالة الوافدة -وهو في ظني مما يضاف إلى عجائب الدنيا السبعة- ورفع الحد الأدنى لرواتب السعوديين إلى دخولنا في سلسلة متتابعة من ارتفاع التكاليف والأسعار التي أضرت بغالب المجالات التجارية والصناعية وحدت من قدرتها على المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية، وأضرت بالمواطن برفع كلفة معيشته بسبب موجات التضخم التي شهدتها أسعار السلع والخدمات بشكل عام خلال السنوات الماضية.. وأدى هذا الواقع إلى مطالبة العمالة الوافدة برفع أجورها لكي تتمكن من الاستمرار في العمل.. وهو ما أدخلنا في حلقة مفرغة من رفع أجور السعوديين ورفع أجور الوافدين كنتيجة لارتفاع كلفة المعيشة.. وهو ما أدى إلى تزايد حجم تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج بشكل متتابع أيضا..
المؤسف أن كل ما تم التحذير منه وقع وبرغم ذلك لا نرى أي تحرك للاعتبار والاستفادة وتغيير المنهجية التي فشلت ولا تزال تفشل وأعني بها منهجية الإلزام والفرض لأوضاع غير واقعية وقرارات غير قابلة للتطبيق..
إن قرارات السعودة ضيقت كثيرا على التجار الحقيقيين فأفلست بعضهم وطردتهم من السوق وبذلك أفسحت المزيد من المجالات للمتسترين والمتستر عليهم للأسف الشديد..
طوال العقود الماضية هناك تهم متبادلة بين القطاع الخاص والجهات الحكومية المعنية بالسعودة وهناك أزمة ثقة جلية بينهما، وحتى التنسيق الذي يتم أحيانا لا يثمر إلا المزيد من الفرض والإلزام بما لا يمكن الالتزام به..
وعليه فإنني أتمنى أن تتبنى جهات عليا تكليف جهة محايدة تنظر في قرارات السعودة وتبعاتها ومآلاتها وتعطي الكلمة الفصل في الحقبة الماضية وما آلت إليه أوضاع القطاع الخاص وقدرته على خلق فرص وظيفية، وأوضاع التستر التجاري الذي تم تمكينه أكثر وأكثر عندما ضيقنا على التجار الحقيقيين بقرارات في مجملها غير واقعية.. والله المستعان.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/04/11