عاشوراء البحرين... ماذا يحصل؟
عباس بوصفوان
يسألني كثيرون: لِمَ كل هذا الجدل حول عاشوراء البحرين؟ نحن خليجيون وعرب، قريبون من مجريات الأحداث في هذه الجزر الصغيرة، نعرف أهلها الأخيار، لكننا نلاحظ من خلال ما نشاهده من صور وفيديوات، وما نلمسه من ردود فعل في وسائل التواصل الاجتماعي، وما نقرأه من بيانات، أن الألم الشيعي كبير، كبير جداً، على خلفية الإشكالات التي تطال إحياء مراسم ذكرى مقتل الحسين، ابن بنت رسول الله. نريد أن نفهم ماذا يجري؟
وبغض النظر عن يزيد والحسين والمعسكرات، فلكل رأيه، ألا يفترض أن تكون حرية إقامة الشعائر الدينية مسألة مستقرة في بلاد يمثل المواطنون الشيعة أغلبية سكانها؟ هل يُعقل ما نسمعه من إساءات للمساجد والحسينيات والمواكب والأوقاف، في وطن يمثل التشيع والإسلام قلب هويته، إلى جانب العروبة؟ ألا تقوم الحسينيات بأدوارها المتوقع منها في بعض الجوار الخليجي، ضمن الضوابط المتعارف عليها صحياً، للحد من عدوى «كوفيد 19»؟
جوابي باختصار: إن التضييق على المراسم الحسينية سياسة قديمة، ولا علاقة له بمرض «كوفيد 19»، كما تدّعي الحكومة. جائحة «كورونا» لا تمنع تلفزيون البحرين من التفاعل مع كربلاء – المنامة، بيد أن هذا التلفزيون يتجاهل، في كل عام، أهم فعالية سنوية تقام في البلاد، وهو ينشط بدلاً من ذلك في بث الكراهية ضد المواطنين الشيعة ومعتقداتهم وتاريخهم.
ولو كان في البلاد شاشة وطنية لرأيناها تشحذ الهمم، في هذا الوقت العصيب، لتتيح للناس الذين يلتزمون البيوت، متابعة المحاضرات الحسينية، التي تعالج قضايا متنوعة، وتهم قطاعاً عريضاً من الجمهور. لو حدث ذلك لتحول التلفزيون البحريني إلى الشاشة الرقم واحد في أعداد المتابعين.
جائحة «كورونا» لا تمنع الصحف المحلية من الكتابة عن الحسين وقضيته، والتذكير بأدوار الحسينيات، والتعريف بأدوارها في النضال الوطني، والتعريف برواد المنبر الحسيني، وشعراء أهل البيت، وتقديم الصورة الناصعة عن عاشوراء البحرين، التي تشمل فعالياتها - عادة - المسرح والرسم ومختلف مجالات الفنون، فالحسين يظهر أجمل ما في شعب البحرين من صفات العمل التطوعي والعطاء والروحانية والجمال الداخلي.
نعم، ربما لا يصدقنَّ أحد، في عالم اليوم، وجود سلطة على وجه البسيطة تمنع شعائر دينية تؤمن بها طائفة واسعة من المواطنين. هذا، والدستور يلزم الدولة (المادة 22) باحترام حق المواطنين في إقامة المراسم الحسينية في داخل المآتم، وخارجها، وأن على الدولة واجب توفير مستلزمات ذلك، من تغطية إعلامية وجهود بلدية وتنظيمية ودعم للحسينيات. إلا أن ذلك لا يحدث، بل يجري عكسه، فقد اعتادت السلطات، على مدار العام، وضع العصي في عجلات الهيئات الحسينية والمواكب العزائية، والتضييق عليها، ومنعها من القيام بالفعاليات على النحو الأمثل.
الإشكال أن القصر لا يرى في الحسينيات ومراسمها جزءاً من هوية البلد الراسخة، وتعبيراً مشروعاً وطوعياً عن العشق الحسيني، بل يراها تحدياً لفكرته الإقصائية، التي تريد اختصار البلاد في تاريخ وممارسات ضيقة وأحادية.
لكن، متى احترمت الحكومة الدستور؟ لا نعرف إلا أمثلة نادرة سجلت فيها السلطات التزاماً بدستور سطرته من جانب واحد، وتأكله كلما جاعت. فهي تدوس كل يوم مواده، ثم تُشهر وقت تشاء بعض بنود، حين ترغب في فرض قانون ما، أو النيل من الرأي الآخر.
حسناً، على السائل أن يعرف أن الهجوم على المعتقد الشيعي سياسة ممنهجة، تشمل غلق المؤسسات الشيعية الدينية: مثل «المجلس العلمائي» و»جمعية التوعية»، والتحكم في تعيين مجلس الأوقاف الجعفري، ونزع اللافتات الحسينية، واعتقال الخطباء، أو منع استقطابهم من دول أخرى، مع أن الحكومة تسمح باستقطاب «الخبراء» في كل المجالات، إلا المجال الحسيني.
ليس في منع الشعائر الدينية رشداً، وفي تنظيمها بالتعاون مع الحسينيات والهيئات الشعبية المختصة، سلامة المواطن والوطن. لكن غايات السياسة تعمي بصر الحكومة وبصيرتها عن اتخاذ القرارات الحصيفة، إلا إذا كان مسعاها إغراق البلاد في الأزمات، وزيادة الشقاق الوطني.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/08/29