ماذا أراد نتنياهو من تلميحه بتغيير خريطة الشرق الأوسط ولماذا تعتبر إيران التطبيع الإماراتي_الاسرائيلي عديم القيمة؟
براء سمير إبراهيم
يوم بعد آخر يزداد تسليط الضوء على اتفاق التطبيع الإماراتي _الإسرائيلي باعتباره اكبر خرق تاريخي يحدث بشكل علني في الشرق الأوسط منذ سنوات عدة، فالكيان الذي كان عدو العرب اللدود فجأة بدأ يتحول إلى صديقهم الحميم، ومع كل الاهتمام الذي يحظى به هذا الاتفاق من جانب الأمريكيين والصهاينة ومع سعي المسؤولين في واشنطن وتل أبيب المستمر لاستغلال التطبيع بهدف حشد الدول ضد إيران، نجد على الطرف المقابل استخفاف إيراني بتلك التهديدات، وعلى الرغم من رفض إيران للتطبيع واستنكارها له وتنديدها بخيانة الإمارات، إلا أن هناك ثقة إيرانية ان التطبيع لن يكون له أي وزن خاصة فيما يتعلق بالحديث عن تشكيل تحالف أمريكي_إسرائيلي_عربي ضد طهران، ففي مقابلة تلفزيونية مع قناة الميادين أكد وزير الخارجية الإيراني ان اتفاق التطبيع الاخير لن يكون له أي تأثير وانه لم يكن مفاجئاً، وهنا يكون السؤال:
لماذا لا تعطي إيران أهمية لتهديدات تشكيل تحالف ضدها؟
لعل الجواب نجده في مقالة كتبها داني (دينيس) سيترينوفيتش القيادي السابق في وحدات الاستخبارات وجمع المعلومات الإسرائيلية ونشرها في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، حيث يرى سيترينوفيتش ان التعاون الاسرائيلي_الإماراتي ضد إيران ليس وليد الساعة وان هناك اختلاف في وجهات النظر بين الطرفين الإماراتي والاسرائيلي في كيفية التصدي لطهران، فبينما تحبذ تل أبيب الخيارات العدائية القائمة على الخناق الاقتصادي وحشد القوة العسكرية، تفضل ابو ظبي الطرق الدبلوماسية بشكل اكبر وهنا يشير الكاتب إلى مخاوف الإمارات من نشوب مواجهة عسكرية مع إيران على اراضيها في ظل قدراتها العسكرية الضعيفة إلى جانب خشيتها من تخلي واشنطن عنها في حال تعرضها لأي هجوم كما تخلت في السابق عن السعودية بعد تعرضها لهجوم أرامكو.
وبناءً على ذلك تنبع الثقة الإيرانية بعدم جدوى التهديدات من أن التعاون بين بعض العرب و”اسرائيل” موجود منذ زمن ولم ينجح في اخضاع إيران، كما ان الاختلاف في المبادئ والرؤى بين الطرفين الإماراتي والاسرائيلي اتجاه إيران هو الآخر باعث طمأنينة بالنسبة إلى إيران، ضف على ذلك تأكيد وزير الإمارات للشؤون الخارجية أنور قرقاش ان قرار التطبيع “لا يستهدف إيران”.
ومن الثقة الإيرانية إلى التلميحات الصهيونية ففي احد التصريحات قال رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو قبل أيام “تجري هنا أمور تاريخية تغيّر خريطة الشرق الأوسط. تجري هنا أمور جيدة جداً، لإسرائيل ولأرض إسرائيل على حد سواء”.
وهذا الكلام جاء بعد يوم واحد من الكلمة التي وجهها ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد إلى الجالية الفلسطينية في الإمارات والقاها بالنيابة عنه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، وأكد خلالها دعم الإمارات المستمر للقضية الفلسطينية وطموحات الشعب الفلسطيني وبذل الجهود في سبيل ضمان وجود دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وبالتالي ومع اخذ ذلك التزامن بعين الاعتبار يمكن تفسير كلام نتنياهو وفق معطيين:
1_ تأكيد نتنياهو على أهمية الاتفاق فيما يخص توسيع اراضي “إسرائيل” يمكن أن نفهمه على أنه بمثابة نفي ورفض لكلام المسؤولين الإماراتيين حول جعل القدس عاصمة لفلسطين، فإذا كان نتنياهو يتحدث عن مزيد من التوسع فإنه من المستحيل ان يقبل التنازل عن اراضي منحها اياه ترامب، وإذا كان ذلك صائباً فستكون هذه المرة الثالثة التي يكذب بها نتنياهو الإمارات بعد صفقة طائرات اف 35 وقضية إيقاف الضم.
2_ يمكن أن نفسر كلام نتنياهو عن دور التطبيع في تغيير خريطة الشرق الأوسط وفقاً للمعلومات والخرائط المتداولة لما يسمى دولة “إسرائيل الكبرى” التي تشمل إلى جانب فلسطين أجزاء من عدة دول عربية بينها العراق وسوريا والسعودية ومصر ، ولذلك فإن تطبيع بعض الدول العربية مع الكيان المحتل الذي سيسمح للاسرائيليين بدخول منطقة الشرق الأوسط ربما سيكون بداية تحقيق هدف قيام دولة “إسرائيل الكبرى” المزعومة المدرجة خريطتها أدناه :
اما السؤال الآن فهو….كيف نبرهن ان وعود مسؤولي الإمارات للفلسطينيين فارغة وهدفها خدمة مشروع التطبيع؟
ان ما يجعلنا نكذب محمد بن زايد وعبد الله بن زايد رغم وعودهم بالدفاع عن الفلسطينين خلال الكلمة التي وجهوها إلى الجالية الفلسطينية الموجود في الإمارات، هو ان تلك الكلمة المقتضبة بدقائق معدودة كانت الاتصال الإماراتي الوحيد مع الفلسطينيين منذ الإعلان عن قرار التطبيع، فلو كانت هناك رغبة حقيقية من جانب الإمارات لدعم الموقف الفلسطيني والحفاظ على العلاقة مع الدولة الفلسطينية لأجرى مسؤولي أبوظبي اتصالات هاتفية على الأقل مع نظرائهم الفلسطينيين او نظموا لقاءات مع قيادات فلسطينية رسمية او أعلنوا عن وجود صفقات واتفاقات مستقبلية مع الجانب الفلسطيني كتلك التي جرى توقيعها مع الصهيانة، هذا من جانب ومن جانب اخر فإن الهيئة التي وجه فيها بن زايد رسالته إلى الجالية الفلسطينية بحد ذاتها مثيرة للجدل، فإذا كان فايروس كورونا ذريعة آل نهيان لإيصال الرسالة إلكترونياً فلماذا عقدوا لقاءات مباشرة مع مسؤوليين إسرائيليين؟!
ما يمكننا قوله ان تلك الكلمة او الرسالة كان هدفها دعم قرار التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل” بشكل او بآخر، فالحديث إلى الجالية الفلسطينية جاء بعد زيارة الوفد الاسرائيلي_الامريكي إلى أبو ظبي ولذلك يمكن فهم تلك الرسالة على أنها محاولة لمنع ظهور اي معارضة من جانب الفلسطينين المقيمين في الإمارات لقرار التطبيع وتجنباً لأي احتكاك قد يجري بين اي فلسطيني و اسرائيلي على اراضي الإمارات بعد قرار التطبيع الذي سيسمح للاسرائيليين بدخول الإمارات بشكل علني.
( التطبيع يهدد اخر مظاهر الوحدة العربية)
ولا بد من التطرق إلى ماجرى الحديث عنه في الأيام الأخيرة من توترات وخلافات تشوب أجواء جامعة الدول العربية حول مشروعي قرار أحدهما فلسطيني لرفض التطبيع ولآخر بحريني لدعم التطبيع، الأمر الذي يهدد مستقبل تلك الجامعة التي تعتبر آخر مظاهر وحدة الصف العربي، ففي ظل وجود دول مؤيدة للتطبيع وأخرى مناهضة له، فإنه ليس من المستبعد إطلاقا ان نشهد في الأيام المقبلة انسحاب عدة دول من جامعة الدول العربية وبالتالي إلغائها او تغيير اسمها او الابقاء عليها مع عدم اعتراف بعض الدول العربية بالقرارات والمشروعات الصادرة عنها.
ومع كل تخلٍ جديد عن القضية الفلسطينية ومع كل خيبة أمل بتحقيق حلم العرب والمسلمين بتحرير فلسطين.. يخرج المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي ويقول جملة واحدة كفيلة بإحياء الأمل من جديد وبعث الطمأنينة في نفوس الفلسطينيين والخوف في نفوس المطبعين:
“هذه الخيانة لن تدوم طويلاً”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/09/06