حرب اليمن بعد خمس سنوات… توازنات ومعادلات استراتيجية
د. حسن مرهج
عبثية هي حرب اليمن، لا سيما أنّ العدوان على اليمن واليمنيين تخطى كلّ المفاهيم الإنسانية والسياسية والعسكرية، فـ بعد مرور ما يزيد عن 2000 يوم على هذه الحرب، ثمة تساؤلات جمّة تتعلق بدوافع هذه الحرب، والدور الأميركي والسعودي في هندسة واقع جديد يكون اليمن مرتكزه الأساسي، بيد أنّ ورغم مرور سنوات الحرب، ورغم وحشية العدوان ضدّ اليمن والشعب اليمني، إلا أنّ كلّ الوقائع والمعطيات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ الإمكانيات العسكرية المحدودة للجيش اليمني واللجان الشعبية، استطاعت أن تقف في وجهة آلة العدوان السعودي الأميركي، ولم تُحقق هذه الحرب أيّ من نتائجها، ولم تُحدث أيّ تغيّرات جيوسياسية بالمفهوم الشامل، بل تمكّنت القوات اليمنية من تحقيق إنجازات استراتيجية، وتكبيد الجيش السعودي ومرتزقته آلاف القتلى، فضلاً عن السيطرة الجوية على مناطق في عمق الجغرافية السعودية، وذلك عبر الطائرات المسيّرة، ما يعني فقدان السعودية قوة الردع، وكذا الباتريوت الأميركي لم يتمكّن في أكثر من مرة من التصدي للصواريخ والمسيّرات اليمنية، التي دكّت ولا تزال مناطق غاية في الأهمية في العمق السعودي.
في غمرة ما سبق، لا يُمكن لأحد أن ينكر أيضاً المصالح الإسرائيلية في حرب اليمن، خاصة أنّ موقع اليمن له مكانة خاصة في عملية مراقبة الممرات المائية الدولية، وهذا الأمر أدّى إلى شنّ حرب ضدّ هذا البلد الفقير. ولقد كشفت الحرب في اليمن على مدى السنوات الست الماضية عن أهداف سيطرة “إسرائيل” على المنطقة، وذلك عقب انتشار العديد من التقارير التي تفيد أنّ “إسرائيل” تقوم بالعديد من الأنشطة في جزيرة سقطرى التي تحتلها القوات الإماراتية.
ورغم تعدّد المعطيات والقوى المُشاركة في الحرب ضدّ اليمن، إلا أنّ صنعاء باتت لاعباً ثقيلاً في جُملة المعادلات الإقليمية، ولا يُمكن لأحد بعد عمليات التطبيع الاسرائيلي الإماراتي، أن يمنع “إسرائيل” من الظهور علناً كأحد أطراف الحرب على اليمن،
في هذا الإطار قال السيد عبد الملك الحوثي قائد الثورة اليمنية في أحد خطاباته، إنّ “السعودية والإمارات أدوات لتنفيذ المؤامرات الأميركية”. ومن جهة أخرى، شدّد السيد “الحوثي” على أنّ أولوية العدوان على اليمن هو تنفيذ مؤامرات تل أبيب وواشنطن في المنطقة. وقال “منذ فترة طويلة تسعى السعودية والإمارات والبحرين لتشكيل جبهة موحدة مع إسرائيل في المنطقة”.
وعليه، بات واضحاً أنّ توقيت حرب اليمن تمّت هندسته في أروقة البيت الأبيض، وأنّ الولايات المتحدة تدخلت في كلّ تفاصيل الحرب ودعمت تحالف العدوان السعودي من خلال توفير السلاح والمساعدة الاستخبارية. ورغم ذلك فإنّ السعودية حصدت فشلاً عسكرياً برياً وجوياً ولم تستطع حسم معركة صنعاء، والسعودية تورّطت في الحرب على اليمن وهي تستنزفها وتستفيد منها أطراف إقليمية.
في ذات الإطار، فإنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يبحث عن وسيلة تُنزله من أعلى الشجرة، ويريد التخلص من تركة الحرب اليمنية الثقيلة، وبذات التوقيت لا يريد ابن سلمان الظهور بمظهر الخاسر، خوفاً من خسارة الدعم الأميركي، الذي يُريده للوصول إلى العرش، كل هذا يضعنا أمام جئية غاية في الأهمية، تتعلق بالقادم من الأيام لجهة السيناريوات المتوقعة إنهاء حرب اليمن، أو تعليقها ريثما يتمّ تنصيب ابن سلمان ملكاً على السعودية، وبالتالي قد نشهد محاولات سعودية وأممية للتهدئة، لكن واقع الحال يُدركه جيداً اليمنيون، إذ لم يعد ممكناً الصمت على المجازر السعودية في اليمن، ولن تبقى هذه الجرائم التي ترقى لـ مستوى جرائم الحرب دون ردّ أو عقاب.
في سياق آخر، قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية يحيى سريع، عشية الذكرى السادسة للحرب اليمنية، في مؤتمر صحافي عن إنجازات الجيش واللجان الشعبية اليمنية خلال سنوات عدوان التحالف السعودي على اليمن. وصنف سريع هذه الإنجازات على النحو التالي:
أولاً– نفذت الدفاعات الجوية التابعة لقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية أكثر من 721 عملية منذ بداية العدوان لإسقاط أو لطرد طائرات العدو، وكذلك تمكنت من إسقاط أكثر من 371 طائرة ومقاتلة وطائرات عمودية معادية.
ثانياً– دمرت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية أكثر من 8887 دبابة وعربة عسكرية وناقلات جند ومدرعات وجرافات للعدو منذ بداية العدوان السعودي.
ثالثاً– أسفرت الاشتباكات منذ عام 2015 عن مقتل أكثر من 10 آلاف ضابط وجندي سعودي وإماراتي.
رابعاً– ضربت آلاف الصواريخ الباليستية اليمنية قواعد ومنشآت العدو خلال خمس سنوات من القتال، وعلى العدو أن ينتظر نفس العدد بل أكثر في وقت قصير جداً. كما نفذت وحدة الطائرات دون طيار التابعة للجيش واللجان الشعبية اليمنية 4116 عملية عسكرية منذ بداية الغزو السعودي.
كما ذكر المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية أن منظومات قوات “أنصار الله” الصاروخية الجديدة تتمتع بقوة تدميرية عالية للغاية وأن على العدو انتظار ضربات أكبر وفريدة من الشعب اليمني.
في المحصلة، بات واضحاً أن السعودية وعدوانها على اليمن قد دخل ربع الساعة الأخير، ولعل التعديلات العسكرية التي حدثت في الجيش السعودي تتعلق بهذا الأمر حيال حرب اليمن والانكسارات السعودية، دون تحقيق أي منجز حقيقي على الأرض، فالمستنقع اليمني أغرق تحالف العدوان، ومنجزات القوات اليمنية تؤسس لمعادلات استراتيجية جديدة، على مستوى الإقليم.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/09/21