المشاريع «الإسرائيلية» – الخليجية وخريطة «الشرق الأوسط»…
د. ساعود ساعود
طرح يثير الجدل ممزوجٌ بالواقعية والخيال، يدرس في حيثياته النظري ومآلاته في حال انتقل إلى التنفيذ العملي، وما بين هذا وذاك مشاريع دُرست وأخرى تدرس وأخرى قيد التنفيذ.
هذا ما جاء في مضمون المقال الذي نشره منذ فترة ليست بعيدة الصحافي الشهير عبد الباري عطوان سلّط فيه الضوء على المشاريع الاقتصادية «الإسرائيلية» – الخليجية ومفرزاتها الجيوستراتيجية على منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك دراسة المستفيدين والمتضررين من هذه المشاريع، وفي ما يلي تذكير بأهمّ النقاط التي استعرضها عطوان، مرفقة بإشارة الباحث إلى أهمّ النقاط التي يجب التنبه إليها والتركيز عليها.
أوّلاً: إنّ اتّفاقات التّطبيع الإماراتيّة والبحرينيّة ألغت دور الأردن كوسيطٍ بين هذه الدّول و»إسرائيل» مع تجميد كُل الدّعم المالي له مُقابل هذا الدّور.
ثانياً: إنّ المشروع «الإسرائيلي» الذي تجري دراسته بشكل جديٍّ بنقل النّفط الخليجي، الإماراتي تحديداً، إلى أوروبا، عبر ميناء إيلات (تصدير النّفط عبر ميناء إيلات ومنه إلى عسقلان وأسدود وحيفا على البحر المتوسّط وصولًا إلى أوروبا وربّما شمال أميركا أيضاً) سيُلغي دور قناة السويس، كممرٍّ تجاري حيوي للسّفن إلى البحر المتوسّط.
بالنسبة إلى الآثار السلبية على دول الشرق الأوسط، ستكون مصر الخاسر الأكبر، ففي هذه الحالة، سيتم الاستِغناء عن قناة السويس التي تُدر 5.72 مِليار دولار سنويا على الخِزانة المصرية، ما يُوفّر على الإمارات، وأي دول أُخرى تستخدم هذا الخطّ بعد توقيع اتّفاقات التّطبيع، مِئات الآلاف من الدّولارات كرسوم عبور عبر القناة عن كُل شُحنة نفطيّة.
عن الذريعة التي تستخدمها «إسرائيل» لتسويق هذه المشاريع، يقول عطوان إنّ المضائق التي يَمُر عبرها النّفط الخليجي مِثل هرمز وبحر العرب وباب المندب وقناة السويس لم تَعُد آمِنَةً بسبب ما وصفه بـ «التّهديد الإيراني» و»خطَر الحوثيين» على المِلاحة في باب المندب، علاوةً على تقصير المسافة وبالتالي التّكاليف. هذه ليست ذريعة، بل إنّ العدو الصهيوني يخشى بالفعل من القوة الإيرانية التي تلتزم الصدق برفضها لـ «إسرائيل» وممارساتها في المنطقة وبعدائها لها، وما يكشف هذه المخاوف «الإسرائيلية» من إيران هو سعيها لتجنّب الاصطدام بها رغم ما تشيعه إعلامياً وسياسياً بأنّها لا تخشى المواجهة مع إيران، وهذا ليس سوى تزوير للواقع.
إنّ ما يثير الغرابة ذاك السّؤال الذي طرحه السيد عطوان رغم أنه يعرف الجواب أكثر من أيّ شخص آخر، عما إذا كانت السّلطات السعوديّة ستسمح بمُرور مشروع خطّ الأنابيب الإماراتي المُقترح إلى إيلات عبر أراضيها. حيث أن المملكة ستسمح بمُرور هذا الخط، وستوقّع مُعاهدة سلام مع «إسرائيل»، تحت ضغط التهديد بالقوة وبحكم العلاقات المتشابكة مع «إسرائيل» وداعميها من الدول الكبرى ومن يسير في فلكها.
ما هي النتائج الخطيرة لمثل هذه المشاريع؟
ستكون قناة السويس، ومكانة مِصر الإقليميّة والتجاريّة، الخاسِر الأكبر من هذه المشاريع الاقتصاديّة بين «إسرائيل» والإمارات وأيّ دولة خليجيّة أُخرى تسير على نهجها التّطبيعي.
والأخطر على الإطلاق أنّ «إسرائيل» ستكون المُستفيد الأكبر لأنّها ستتحوّل إلى مركزٍ عالمي لتصدير النّفط، الأمر الذي سيَدُر عليها مِئات الملايين مِن الدّولارات سنويًّا، إن لم يَكُن أكثر، ولا أحد يعارض عطوان في هذه الفكرة، والخطورة بالنسبة للدول الكبرى كروسيا، أنّ روسيا أكبر مُصدّر للنّفط والغاز في العالم ستكون من أبرز المُتضرّرين أيضًا من جرّاء الأنبوب الّذي سيُهَدِّد هيمنتها على أسواق الطاقة الأوروبيّة بشَكلٍ أو بآخَر.
أما بالنسبة إلى الأمن القومي العربي فإنه سيتلقّى ضربة مباشرة ومؤثّرة، لا سيما الرافضين للديماغوجية والعنجهية والعدوان والوجود «الإسرائيلي» في منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبح وجودها يستند إلى دعائم سياسية وعسكرية واقتصادية قادرة على تغيير وجه المنطقة العربية بأكملها، والمضحك المبكي حالة الاستقطاب التي ظهرت للعلن بشكلها القطعي، فغالبية الدول العربية دخلت نطاق التطبيع العلني والسري مع العدو «الإسرائيلي» ولم يعد من المنطقي الحديث عمّا يسمى الصراع العربي – «الإسرائيلي» بل هو أضيق من ذلك بكثير، وإنْ قلنا إنه صراع سوري – «إسرائيلي» فهذا صحيح ومنطقي وغير ذلك فهو ضحك على اللحى والشعوب.
بخصوص علاقة سورية بهذا الموضوع، فإنّ رفض القيادة السوريّة مُرور خطّ أنابيب الغاز القطري عبر أراضيها مُراعاةً للحليف الاستراتيجيّ الروسي، أدّى إلى انتقامٍ بتفجير الحرب عليها، ومن المرجح في حال اعتراض مصر وتدهور علاقاتها مع دول الخليج أن تتعرّض لشيء مشابه لما تعرّضت له سورية مهد العروبة والمقاومة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/10/07