500 شمعة للمستقبل العربي
معن بشور
أن يحتفل القيّمون على مركز دراسات الوحدة العربية والعاملون فيه بصدور العدد 500 من مجلة “المستقبل العربي” التي استمرّت بالصدور شهرياً على مدى 43 عاماً رغم كلّ الصعوبات والعوائق التي واجهتها لا سيما إبان الحرب اللعينة التي عرفها لبنان واستمرت أكثر من 15 سنة… بل رغم كلّ أشكال الحصار المادي والمعنوي التي يواجهها المركز كسائر المؤسسات العروبية الوحدوية الحريصة على استقلاليتها وعدم الارتهان لأحد…
لقد عادت بي الذاكرة، وأنا أتأمّل صورة أسرة المركز تضيء الشموع وتحتفل ببساطة بهذه المناسبة المعبرة، الى الأيام الأولى لانطلاق المجلة التي كان لي شرف المساهمة بأعداد أولى منها من خلال موضوع “التنظيم القومي الموحد”، بالإضافة الى معرفتي بإصرار خير الدين حسيب (اطال الله في عمره)، وكان مديراً عاماّ للمركز ان تصدر المجلة في كلّ الظروف التي عاشها لبنان، فلا الحرب الداخلية اوقفتها ولا الاجتياح “الإسرائيلي” وحصار بيروت منعها من الصدور، ولا إغلاق مطار بيروت المتكرّر حال دون شحنها بشتى الوسائل الى الآلاف من قرائها على امتداد الوطن العربي… ولا الإشكالات اللوجستية المتعدّدة التي واجهتها وقفت دون تنفيذ “القرار الحديدي” باستمرار الصدور مهما كلف الأمر…
ويأخذ احتفال القيّمين على المركز (وعلى رأسهم رئيس مجلس الأمناء الحالي الدكتور علي فخرو (البحرين)، ورئيس اللجنة التنفيذية الدكتور أحمد يوسف أحمد (مصر) ومدير عام المركز الأستاذة لونا أبو سويرح (فلسطين) المضيئة في زمن تعمّ فيه العتمة أرجاء لبنان ووطننا الكبير، وفي جو الحروب المتعددة الأشكال التي يتعرّض لها كلّ عمل ذي طبيعة وحدوية لإدراك أعداء الأمة بأنّ الوحدة العربية هي الأساس في أيّ نهوض للعرب، والسدّ الذي يصدّ كلّ هجمات أعدائهم، معانٍ متعددة أبرزها:
1 ـ حين تكون هناك إرادة لا بدّ من طريق تشقه الى تحقيق أهدافها.
2 ـ ان الوحدويين العرب، مهما ضاقت بهم السبل قادرون على إيجاد الوسائل التي تمكنهم من حمل راية العروبة والوحدة ومشروعها النهضوي المقاوم.
3 ـ انّ لبنان، رغم كلّ ما عاناه وما زال يعانيه، ما زال قادراً على أن يكون حامل رسالة النهضة في وطنه العربي الكبير، ورسالة الانفتاح والفكر والحداثة في العالم كله.
4 ـ انّ حرص الوحدويين العرب على استقلالية عملهم ورفضهم الارتهان لأيّ جهة، يساوي وجودهم، وهم يدركون انه مهما اشتدّ الحصار المادي والمعنوي والإعلامي على مؤسساتهم إما لضربها او لإلحاقها بهذه الجهة أو تلك، فإنه لا بدّ من وجود ضوء في نهاية النفق الذي لا بدّ لأمتنا ان تخرج منه مهما طال الزمن.
وفي حال مجلة “المستقبل العربي” مجلة المشروع النهضوي العربي، حمل الضوء هذه المرة مفكر وحدوي، نبيل من الخليج هو الدكتور على خليفة الكواري (قطر) الذي تعهّد بتمويل إصدار المجلة لمدة أشهر ستة (قابلة للتمديد بإذن الله) كجزء من مساهمته في حلّ الأزمة المالية الصعبة التي يواجهها مركز دراسات الوحدة العربية…
لقد أعطى الدكتور علي الكواري بمبادرته المضيئة هذه نموذجاً لكلّ مقتدِر من رجالات الأمة ونسائها ان يقوم ولو بقسط بسيط من تحمّل أعباء كلّ مؤسسة قومية تحمل مشروع النهوض وتعاني حصاراً بسبب استقلاليتها…
فألف تهنئة لأسرة “المستقبل العربي” وأسرة “مركز دراسات الوحدة العربية” بصدور العدد 500 من مجلة ساهمت في لمّ شمل المثقفين العرب وقرّبت بينهم المسافات، وألف تحية للقيّمين على المركز منذ تأسيسه وعلى رأسهم أول رئيس لمجلس الأمناء وهو الراحل الدكتور سعدون حمادي ولكوكبة من خيرة الشخصيات العربية التي لبّت نداء التأسيس، وللمدير العام للمركز على مدى أربعين عاماً الدكتور خير الدين حسيب الذي لا يستطيع أحد إنكار فضله ودوره في بناء هذه المؤسسة الهامة واستمرارها، ولأول رئيس تحرير “للمستقبل العربي” الدكتور الراحل أنيس صايغ (فلسطين) الذي أكد انّ فلسطين في قلب أيّ مشروع نهضوي عربي وايّ عمل وحدوي عربي.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2020/10/16