«يا طالب الدبس»... من تقرير الـ«اف بي آي»
حسن عليق
مرة جديدة، يحتاج لبنان إلى «شهادة» من الرجل الأبيض. منذ عام 2005، يأتي محققون أميركيون وفرنسيون وبريطانيون، للمشاركة أو الإشراف على التحقيقات في الجرائم «ذات الطابع السياسي». ومنذ عام 2005، لم يقدّم محققو مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (FBI) أي إضافة نوعية للتحقيق. بعد اغتيال الوزير السابق محمد شطح، على سبيل المثال، لم يحتج «الفدراليون» أكثر من «مسافة السكّة» للوصول إلى بيروت. ولم يقدّموا شيئاً سوى تقارير تقنية عامة بشأن التفجير وطبيعته. لا أكثر ولا أقل.
بعد انفجار المرفأ، علت الأصوات المطالبة بتحقيق دولي. في الواقع، التحقيق في انفجار المرفأ دولي؛ شارك فيه مباشرة الفرنسيون والبريطانيون والأميركيون.
يومي 14 و15 آب، زار وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، بيروت، شاكراً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على «موافقة لبنان على استقبال فريق من مكتب التحقيق الفدرالي (FBI) للمشاركة في التحقيقات التي يجريها القضاء اللبناني». وأكّد أن المحققين الأميركيين سيصلون في نهاية ذلك الأسبوع. كان هيل في بيروت يومي الجمعية والسبت. وبالفعل، وصل إلى بيروت، يوم الأحد 16 آب، 9 محققين من مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي. هؤلاء زاروا مرفأ بيروت ومحيطه أكثر من مرة، والتقوا بالمحققين اللبنانيين، وبالمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
لكن المشاركة الأميركية في المرفأ لم تبدأ يوم 16 آب. فقبل الانفجار بأيام (تحديداً يوم 29 تموز 2020)، وصل إلى بيروت 11 جندياً أميركياً على متن طائرة عسكرية. هؤلاء أتوا ضمن مهمة تدريب للقوات الخاصة في الجيش اللبناني (ولأسباب مجهولة، كانت مصادر الجيش تنفي وجودهم).
ويوم 4 آب، وصل إلى بيروت 13 جندياً أميركياً، «لتعزيز فريق الحماية في السفارة». وهؤلاء متخصصون في حماية البعثات الدبلوماسية (سبق أن عمل بعضهم في حماية مقار أميركية في فلسطين المحتلة، بحسب صورهم المنشورة على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، كالجندي Travis Operle، على سبيل المثال لا الحصر).
غالبية هؤلاء شاركوا في ما سمّوه «أعمال الإغاثة». وقد انضم إليهم، يوم 8 آب، فريق من 26 شخصاً، أتى على متن طائرة تعود ملكيتها للحكومة الأميركية. وغالبيتهم جرى التعريف عنهم بأنهم يعملون في مجال العمل الإنساني والإغاثي ومنظمات المجتمع المدني، علماً بأن واحداً منهم على الأقل (يُدعى Steven Lubot) يعرّف عن نفسه، على صفحته على فايسبوك، بأنه متخصص في المجال الأمني في وزارة الخارجية الأميركية. وعندما غادروا لبنان يوم 21 آب، كان في رفقتهم رئيس فريق محققي الـFBI توم داني بوكانيللي. أما باقي أعضاء مكتب التحقيقات الفدرالي، فقد غادروا يوم 28 آب.
خلاصة ما تقدّم أن الأميركيين كانوا حاضرين «في الميدان»، منذ لحظة الانفجار (عملياً، منذ ما قبل الانفجار). لكن تقرير «الفدراليين» الذي قدموه إلى المحقق العدلي، القاضي فادي صوان، الأسبوع الماضي، «لن يكشف المستور». تقرير تقنيّ يحوي خلاصات واستنتاجات لا تقطع أي شك باليقين. لن يتضمّن تقرير الـFBI ما في حوزة الاستخبارات الأميركية من معلومات، كما لن يشرح الأسباب التي دفعت بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى القول بعد ساعات من التفجير بأنه ناجم عن «اعتداء بقنبلة ما»، وبأن كلامه يستند إلى ما أخبره به جنرالات جيشه، قبل أن ترفض وزارة دفاعه التعليق على كلامه.
حتى لو افترضنا حسن النية، وأن المحققين الأميركيين لا يريدون إخفاء شيء، فإن ما قاموا به لا يؤهلهم للتوصل إلى نتائج صلبة. أقصى ما يُتوقع منهم هو الترجيح التقني وتقديرات عن حجم المواد التي انفجرت وطبيعتها. أما الأمل بـ«حقيقةٍ ما» في تقرير المحققين الأميركيين، فليس سوى الخبل بعينه.
جريدة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/10/19