الموساد الصّهيونيّ مهندس التّطبيع العربيّ
حمزة أبو شنب
سبق أن تفوَّق الموساد على الخارجية الصهيونية في تجنيد العلاقات، وفتح قنوات اتصال جديدة لكيان العدو الصّهيوني خلال فترة الستينيات من القرن الماضي.
استوقفني قبل أيام تصريح لرئيس مؤسَّسة الاستخبارات والمهام الخاصة المعروفة باسم "الموساد"، يوسي كوهين، وهو نادر الظهور والتحدث إلى وسائل الإعلام. وقد تطرق فيه إلى الاتفاق الإماراتي الصهيوني وعلاقات "إسرائيل" في المنطقة العربية، وشدّد خلاله على "أن الاتفاقيات مع دول الخليج تمنحنا عمقاً استراتيجياً مهماً ضد محور الشر الذي تديره إيران".
تصريح رئيس الموساد يؤكد الدور الذي يمارسه جهازه من فتح آفاق وقنوات اتصال للعدو الصهيوني، وبناء علاقات مع العديد من الدول العربية، ولا سيما الخليجية، منطلقاً من مصالح العدو الصهيوني الأمنية، فهو ينظر إلى نفسه بأنه يعيش في محيط دائم العداء. لذا، إن التهديدات والمخاطر تكون حاضرة في السلوك الإسرائيلي عند توقيع أيِّ اتفاق سلام.
ولعلَّ من اللافت هنا أنّ الموساد لا يؤدّي فقط المهام الاستخبارية وينفّذ العمليات، بل يقوم مقام وزارة الخارجية. قد يكون هذا السلوك قد تعزّز في ظلّ تولّي نتنياهو قيادة الحكومة الصهيونية، بتعمده تهميش من يتولى منصب وزارة الخارجية، كما فعل مع العديد من الوزراء، أبرزهم ليبرمان، إذ أفرغ الخارجية الصهيونية من مضمونها، وأصبح يعتمد على جهاز الموساد في معظم نشاطاته الخارجية، بما فيها زيارة الدول.
ولكن الموساد سبق أن تفوَّق على الخارجية الصهيونية في تجنيد العلاقات، وفتح قنوات اتصال جديدة لـ"دولة" العدو الصّهيوني خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، بعد أن تحول قسم الاتصال والعمل السياسي فيه إلى ما يشبه وزارة خارجية سرية ثانية. ولعل هذه الأهمية نابعة من أن الجهاز يخضع مباشرة لرئيس الحكومة الصهيونية، فهو من يعيّن قائده، ويرفع الجهاز تقاريره إليه، ويحصل على تعليماته منه.
وبعد تبنّي رئيس حكومة العدو نظرية السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين وتطوير العلاقات مع المحيط العربي، جاء تعيين كوهين، الرئيس الحالي للموساد، في هذا الإطار، إذ تحدثت المصادر الإعلامية عن أنَّ نتنياهو يرغب في مشاهدة شرق أوسط جديد تكون فيه لـ"إسرائيل" مكانة مرموقة، وأن كوهين هو الرجل المناسب لبناء وتطوير العلاقات مع دول المنطقة، والتي أتت ثمارها باتفاق السلام مع البحرين والإمارات، كما أنه يعمل على مواصلة جهود التهدئة في قطاع غزة عبر التواصل مع القطريين.
نجح كوهين في المهمة الموكلة إليه بإحداث اختراقات في الجبهة العربية، كما حقَّق نجاحات متعلقة بمجابهة المشكلة الإيرانية بالنسبة إلى "إسرائيل"، باستهداف البرنامج النووي الإيراني، وملاحقة العديد من نشطاء المقاومة من كل قوى المقاومة، إضافةً إلى أنه يؤدي دوراً مهماً بالنسبة إلى "إسرائيل" في منطقة أفريقيا، بما فيها السودان، التي زارها وفد قبل أيام ضمَّ أحد أبرز قادة الموساد، إضافةً إلى مسؤولين أميركيين.
أمام دور الموساد المتواصل في المنطقة العربية، لا يمكننا أن نتجاهل أن "إسرائيل" ستستفيد بصورة أمنية كبيرة من علاقاتها مع الدول العربية، كما أنها ستستغل كل الاتفاقيات المتتابعة، والتي كان آخرها قبل أيام الدخول إلى البحرين والإمارات من دون تأشيرة دخول، لتسهيل العمليات الاستخبارية والأمنية. ولن يتوانى العدو عن استثمار مساحة العمل الممنوحة له في تشكيل خطر أمني على محور المقاومة، وعلى رأسه إيران، فالموساد الآن بات على الحدود القريبة منه.
في تقديري، إن المطلوب من قوى المقاومة في المنطقة اليوم هو تحويل التهديد الصهيوني الاستخباري والأمني إلى فرصة تستنزف العدو الصهيوني وتفشل مخطّطاته، وبالتالي تخرج المقاومة من حالة الدفاع عن النفس إلى المبادرة، حتى يدفع العدو ثمن سلوكه في اغتيال قادات المقاومة.
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2020/10/24