أيُّها العربيّ.. نحنُ أقوى وأصلب من أنظمة التطبيع
زهير أندراوس
بات الإعلام على مُختلَف مشاربه عاملاً جوهريًا في الحرب الدائرة بين الأمّة العربيّة وبين إسرائيل وأبواقها الإعلاميّة التي لا تنفّك عن شيطنة العربيّ، مُستخدمةً جميع أنواع الألاعيب الخسيسة والدنيئة لتحقيق مآربها السياسيّة والإعلاميّة، كما نُلاحِظ أنَّ تل أبيب تعمل دون كللٍ أو مللٍ على استدرار عطف الإعلام الغربيّ، المتواطئ أصلاً مع إسرائيل، والإعلام العبريّ يتحوَّل في زمن الطوارئ والحروب، إلى وحدةٍ مُختارةٍ ونُخبويّةٍ في الجيش، تعمل وفق أوامر الرقيب العسكريّ، وذلك في مُحاولةٍ لكبح الحقيقة التي قد تدفع الإسرائيليين إلى الانكسار معنويًا، وهو الخطر الذي تخشى منه حكومة نتنياهو برأسيْها، فقد قيل سابِقًا إنَّ الرصاصة تقتل رجلًا واحِدًا، ولكنَّ الكلمة قد تقتل أمّةً كاملةً.
***
أخطر من ذلك، فإمبراطوريات الإعلام الذي تقع تحت سطوة دول الخليج، التي تُهروِل بسرعةٍ تفوق الخيال نحو التطبيع مع إسرائيل، دون أنْ تُقيم وزنًا لأفظع جريمةٍ ارتُكبت في التاريخ، نكبة فلسطين، تُساعِد إسرائيل إلى حدٍّ كبيرٍ في تسويق روايتها الكاذبة أمام الرأي العّام العربيّ، كما نُلاحِظ إنّ الإعلام المُستعرِب والمُستغرِب، يعمل على مدار الساعة بـ “مهنيّةٍ” وبـ “علميّةٍ” لكيّ الوعي العربيّ واستدخال الهزيمة، وهذا السلوك أصبح مُدمّرًا، ذلك أنّه إذا واجهت إنسانًا مهزومًا، مهزوزًا ومأزومًا داخليًا، من الصعب، إنْ لم يكُن مُستحيلًا، أنْ تدفعه للتفكير بالنصر، فما بالكم/ن بصُنعه؟ وفي هذا الإطار يُشارِك الإعلام المُضاد، من حيث يدري أوْ لا يدري، في تعظيم قدرات إسرائيل من جميع النواحي، وتأليه جيشها “الذي لا يُقهَر” (!)، مع أنّ وزير الأمن الإسرائيليّ الأسبق، أفيغدور ليبرمان، الذي يكره العرب أكثر من الموت، صرّح مؤخرًا أنّ إسرائيل لم تنتصِر في أيّ حربٍ أوْ معركةٍ منذ عدوان يونيو من العام 1967، وعوضًا عن قيام الإعلام العربيّ بالتشديد على هذا التصريح وتحليله ودراسته، نجِد أنّ مُركِّبات الثالوث غيرُ المُقدّس: الإمبرياليّة بقيادة رأس الأفعى أمريكا، والصهيونيّة بزعامة إسرائيل، والرجعيّة العربيّة، تعمل على إقناع الأمّة بأنَّه لا يُمكِن قهر إسرائيل أوْ الانتصار عليها، بهدف جعل التطبيع مقبولاً، وبالتالي فإنّ الشعوب العربيّة تُواجِه عدوّيْن داخليين اثنين: الأنظمة الاستبداديّة والإعلام المُتواطئ.
***
ومن نوافل القول إنّ الإعلام العبريّ هو إعلامٌ صهيونيٌّ بامتياز وهذا حقّه وواجبه، ولا يتوقّف ولو للحظةٍ عن استخدام التعبيرات النمطيّة ضدّ العرب: مُخرِّبون، مُغتصِبون، لصوص، مُتخلِّفون، ومصطلحاتٍ أخرى مبنيةٌ على أفكارٍ مُسّبقةٍ، مُمعِنًا في احتقار العرب والنظر إليهم بدونيّةٍ وازدراءٍ، حتى غدا البعض الكثير من العرب يرفعون المظلّة حتّى عندما تُمطِر السماء حريّةً، وهنا تكمن خطورة الإعلام الـ”عربيّ” (!)، فهو من حيث يدري أوْ لا، يعمل على احتلال العقول العربيّة وكيّ وعيها تمامًا، وبالتالي لا نتجنّى على أحد إذا جزمنا بأنّ دور الإعلام العربيّ المُعادي لسوريّة ومحور المُمانعة والمُقاومة، بات مُطابِقًا ومُتساوِقًا إلى حدٍّ كبيرٍ مع دور الإعلام الإسرائيليّ والغربيّ في شيطنة كلّ حركة تحررٍ في الوطن العربيّ، لأنّه في زمن الردّة السياسيّة أصبح التطبيع قاعدةً، والمُقاومة إرهابًا وإسرائيل “شقيقةً”.
***
وعودٌ على بدء، أيْ دور الإعلام وتوظيفه: زئيف جابوتينسكي، أحد أهّم مُنظّري الحركة الصهيونيّة، نشر في 4/11/1923 مقالاً باللغة الروسيّة جاء فيه: “يجب أنْ نستوعِب، أنّه لا يوجد الكثير الذي يُمكِن أنْ نتنازل عنه للقوميّة العربيّة (حركة التحرر العربيّة)، بدون تدمير الصهيونية. لا يمكننا التخلّي عن جهودنا لإنجاز أغلبيةٍ يهوديّةٍ في فلسطين، حتى أننّا لا نستطيع دعم الحركة العربيّة للتحرر من الاستعمار، حيث أنّها مُعاديةً لنا حاليًا، وبالتالي فإننا جميعًا (الصهاينة)، سنكون سعداء بكلّ هزيمةٍ تتكّبدها حركة التحرر العربيّة ليس فقط في المناطق المجاورة لشرق الأردن وسوريّة، بل أيضًا في المغرب، وهكذا سيبقى الحال مستقبلًا، لأنّه لن يكون مُمكِنًا غير ذلك، إلى أنْ يأتي اليوم الذي يُجبِر العرب ليأتوا إلى تسويةٍ مع الصهيونية مرّةً واحدةً وللأبد”.
***
جابوتينسكي، لم يكُن نبيًّا، ولكنْ رؤيته التي نشرها في العام 1923، أيْ قبل أكثر من مائة عامٍ، نراها تتحقق الآن: الهرولة العربيّة-الرسميّة نحو التطبيع، هي عمليًا تحويل رؤيته إلى حقيقةٍ، لذا لا يستغربنّ أحدٌ إذا سمعنا قريبًا جدًا عن دولٍ عربيّةٍ أخرى تُسافِر في قطار التطبيع، وتنضّم، من مُطلق (إنّا لأمريكا وإنّا إليها خاضِعون) لعملية الـ”سلام” مع إسرائيل، ومع ذلك نبقى متفائلين لأنّ الشعوب العربيّة ترفض رفضًا قاطِعًا بيع فلسطين، وأكبر مثالٍ على ذلك مصر، أكبر دولةٍ عربيّةٍ، والتي أبرمت اتفاق سلامٍ مع إسرائيل في العام 1979، ولكنّ الشعب المصريّ العظيم، الذي قدّم الغالي والنفيس، من شهداء وجرحى، أرامِل وأيتام في الحروب ضدّ الدولة العبريّة، يرفض بعد 41 عامًا من اتفاق السلام مع إسرائيل أيّ نوعٍ من التطبيع، والنموذج المصريّ سينسحِب عاجِلاً أمْ آجلاً، على جميع الشعوب العربيّة، التي وقّع قادتها وسيُوقِّع غيرهم على “اتفاقيات سلامٍ” (!) مع إسرائيل، لأنّ التاريخ أثبت أنّ الشعوب النابِضة بالحُريّة، والشعوب العربيّة هي كذلك، لن تستسلِم لنزواتٍ حُكّامها، فـ”دائمًا تأتي، عاجلاً أوْ آجلاً، في حياة كلّ شعبٍ لحظة الاختيار لتفرز العامِل عن الخامِل والصادِق عن المنافِق”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/10/24