من يزيل العراقيل أمام التحقيق المالي الجنائي؟
بشارة مرهج
لماذا،حتى اللحظة، يمتنع حاكم البنك المركزي الأستاذ رياض سلامة عن تقديم كلّ الوثائق والبيانات التي تطلبها شركة الفاريز – مارسال للمضيّ قدُماً في عملها المتعلق بالتدقيق المالي الجنائي؟ فإذا كان الحاكم واثقاً من نفسه ومن أوراقه وحساباته فينبغي عليه تقديم كلّ ذلك بسرعة وقبل غيره لمعرفته بأنّ ذلك هو عين العقل ومن شأنه أن يعزز الثقة بالبنك المركزي ويساعد على وقف التدهور في مرحلة اهتزت فيها الثقة في مجمل مؤسسات الدولة اللبنانية.
أما إذا افترضنا أنّ الحاكم يمتنع ويماطل في تقديم الوثائق والبيانات العائدة للبنك المركزي للشركة المعنية بانتظار حلول موعد انتهاء العقد، أو أنه يفعل ذلك بانتظار تشكيل حكومة جديدة تسلك طريق التغطية والتعمية على كلّ الحسابات والمحاسبات، فذلك أمر مثير للشكوك والتساؤلات مما يستدعي الإصرار على معرفة الحقيقة الضائعة في ثنايا المخالفات الكبرى التي أدّت الى تبديد الثروة الوطنية وتجويف الليرة اللبنانية وإفقار ملايين المواطنين. وهنا بالتأكيد لا تقع المسؤولية على البنك المركزي وحده وإنما أيضاً على المنظومة الحاكمة التي خالفت وتجاوزت واستهترت وملأت جيوبها من المال الحرام.
وإذا كان الحاكم، في ما يخصّه، يغطي موقفه السلبي باعتبارات قانونية، نشأت بسبب الغموض الذي يكتنف كتاب التكليف الحكومي لشركة التدقيق المالي الجنائي، فإنه ملزم معنوياً ومهنياً بتقديم كلّ المعلومات اللازمة انطلاقاً من مبدأ الشفافية الذي حاضر فيه مراراً أمام الرأي العام، كما انطلاقاً من واجباته القانونية في الحفاظ على سلامة الليرة اللبنانية وقدرتها الشرائية.
إلى ذلك فإنّ قانون السرية المصرفية الذي يتلحف به الحاكم للإفلات من الإجابة على أسئلة شركة التدقيق المالي لا يغلق الباب تماماً أمام معرفة الحقيقة بدليل أنّ هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها الحاكم نفسه تعاونت في هذا الصدد مع مدّعي عام التمييز بحيث أصبح لديها جدول بالتحويلات المالية التي جرت قبيل 17 تشرين 2019 حتى 14 كانون الثاني 2020. ويمكن لها الانطلاق من ذلك لإجراء التحقيقات اللازمة والتأكد من قانونية هذه التحويلات وسدّ الثغرة القانونية التي تمنع شركة التدقيق المالي الجنائي من الاطلاع على الحسابات المصرفية.
أما في ما يتعلق بحسابات المصرف المركزي نفسه فالرأي العام ليس مقتنعاً على الإطلاق بالحجة التي يتمسك بها حاكم البنك المركزي للتمنع عن تقديم المعلومات المطلوبة. فإذا كان صحيحاً أنّ شركتين عالميتين (ديلويت وأرنست اند يونغ) تدققان في حسابات المصرف المركزي وتصدران تقريراً سنوياً عن ذلك فإنّ تدقيقهما لا يكفي لأنه يطال ظاهر الحسابات – بحسب المحامي بول مرقص – في حين أنّ التدقيق المالي الجنائي يدقق في الباطن للكشف عن جرائم الاختلاس وإساءة الأمانة، وهذا هو المطلوب بالضبط.
والحاكم الذي ذكر مراراً أنه ليس لديه ما يخفيه من أسرار، من حقه كما من واجبه تسهيل عمل شركة الفاريز – مارسال للاطلاع على كلّ حسابات البنك المركزي دون الإخلال بالسرية المصرفية. وذلك يمكن تأمينه بمجرد كتاب يوجهه الحاكم وأعضاء المجلس المركزي الحالي والسابق بالتخلي عن امتياز السرية المصرفية الذي يشملهم كأشخاص فيما يملأ مدّعي عام التمييز وهيئة التحقيق الخاصة الفراغ القائم بما يفتح الطريق أمام تطورات إيجابية تنتظرها الأسواق بفارغ الصبر.
ويبقى أن نسجل أنّ المجلس النيابي المهتمّ حالياً بقضايا التدقيق المالي لم يصدر القانون اللازم الذي يجعل من هذا التدقيق أمراً ممكناً ومجدياً من كلّ جوانبه وكأنه يلاقي الحكومة في توقيعها للعقد الملتبس مع شركة التدقيق المالي.
هذا اللقاء المفترض بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بدلاً من ان يعزز الطريق نحو الحقيقة والشفافية فإنه يعزز الشكوك والمخاوف من أن تكون نتيجة التحقيق الذي تقوم به شركة (الفاريز – مارسال) مخيّبة للآمال ومعاكسة لجوهر المبادرة الفرنسية التي على أساسها «يجري» تشكيل الحكومة العتيدة.
أضيف بتاريخ :2020/10/28