هل تنتظر ايران رؤية دونالد ترامب مهزوما؟
كمال خلف
الخطاب الرسمي الايراني اعتاد على عدم التعليق حول الانتخابات الرئاسية الامريكية طوال عقود من العداء المتبادل بين البلدين ، واذا ما تم سؤال اي مسؤول ايراني عن راي بلاده في الانتخابات فان الجواب التلقيدي يكون” لافرق “المرشحان وجهان لعملة واحدة” و”ايران لا ترى تغييرا كبيرا ايا كان الرئيس” . وهذا التقليد الدبلوماسي الايراني ينسحب اليوم على الانتخابات الرئاسية الامريكية التي ستجرى بعد ايام وتحدد من سيكون في البيت الابيض لاربع سنوات مقبلة .
الا ان الرئيس دونالد ترامب ليس كاي رئيس امريكي سابق بالنسبة لايران فهو اعلن الحرب الخشنة على ايران منذ اليوم الاول لوصوله الى البيت الابيض ، وقرر الانسحاب من اتفاقية العمل الشاملة والمشتركة ناسفا انجازا سياسيا دوليا في ازمة البرنامج النووي الايراني . ولعل قراره اغتيال قائد قوة القدس في حرس الثورة الايراني الجنرال قاسم سليماني في الثالث من يناير هذا العام كان عملا امريكيا عدوانيا غير سبوق ضد ايران وبتوقيع الرئيس دونالد ترامب شخصيا . وهو بذات الوقت الرئيس الامريكي الاكثر الحاحا لعقد قمة مع المسؤولين الايرانيين رفضها الرئيس روحاني اكثر مرة ، بل تجاوز ترامب الرئيس الايراني لطلب اللقاء بالمرشد علي خامنئي وهو ما لم تعلق عليه ايران اصلا . وكرر دونالد ترامب اكثر مرة رغبته بعقد صفقة مع ايران وهو الرئيس القائل ما ساعطيه لايران لن يعطيه اي رئيس امريكي .
دأب ترامب على القول ان سياسية بلاده لا تقوم على اسقاط النظام في ايران انما تغيير سلوكه وبناء عليه مارس اشكال غير مسبوقه من الضغوط الاقتصادية والسياسية وحتى الامنية ، فيما عرف باستراتيجية الضغوط القصوى، استطاعت ايران تجاوزها دون ادنى شك لديها بان نجاح سياسية ترامب حيالها لن يقف عند حدود تغيير السلوك انما الهدف هو تغيير النظام بالكامل ، وان اهتمام ترامب بملف البرنامج الصاروخي الايراني واصراره على ضمه الى اتفاقية العمل الشاملة المشتركة الدولية كشرط للتفاوض ليس سوى استجابة منه لطلب اسرائيلي من اجل ان نسف الاتفاق الدولي .
الامر الاخر الفريد في سياسية دونالد ترامب المختلفة تجاه ايران هو تخليه عن القفازات التي لبسها من سبقوه من خلال تركيزهم على قضايا حيال ايران تتمثل في مطالبات حول الحريات وحقوق الانسان وحقوق المراة وقضايا اجتماعية وثقافية تمثل تدخلا ناعما وخطرا في عمق المجتمع الايراني في سعي لقلب نظام الحكم عبر دينامية اجتماعية مترافقه مع تشجيع سياسي دولي يراهن على تطورات واضطرابات داخلية ، في حين ان ترامب لم يبد اهتماما لهذا السياسات الامريكية السابقة التي تصفها ايران عادة بالنفاق الامريكي على اعتبار ان الولايات المتحدة ترعى وتحمي اعتى الانظمة الديكتاتورية القمعية في المنطقة ، وبدلا من ذلك حصر ترامب تحركة ضد ايران بملفات سياسية وعسكرية تمثلت في” البرنامج النووي والصواريخ الاستراتيجية والدور الاقليمي لايران في المنطقة” .
لكن السؤوال الاهم الان هل ترغب ايران فعلا بالتخلص من دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية المقبلة وتفضل المرشح الديمقراطي جو بايدن ؟؟
قد يبدو الجواب على هذا السؤال بدهيا وان كررت ايران رسميا انها لا تفرق بين المرشحين ولا تهتم من سيكون ساكن البيت الابيض في الاربع سنوات المقبلة ، ومما لا شك فيه ان وفقا لكل ما ذكرناه سابقا من سياسات للرئيس الامريكي حيال ايران، فان طهران ترغب في ان ترى دونالد ترامب مهزوما في الانتخابات . وانها تفضل المرشح الديمقراطي جو بايدن على اعتبار ان هذا الاخير قد يواصل نهج الرئيس باراك اوباما في استراتجية احتواء ايران بدلا من الصدام معها . الا ان المعادلة ليست بهذه البساطة بالنسبة لصانع القرار في طهران . والمشهد بالنسبة لهم اعقد مما يبدو ظاهريا ويدفع للاستناج السابق بان ايران ترى في رحيل دونالد ترامب رحيلا للاعباء واجواء التوتر والمصاعب .
وقد اتهمت الاستخبارات الامريكية في وقت سابق ايران بمحاولة التدخل في الانتخابات الامريكية وهو اتهام سخيف ومعيب بحق القطب العالمي الاقوى، واوحى ان ايران لا تنتظر هزيمة ترامب فقط بل تبذل جهدا لتحقيق ذلك . اما في الواقع فان ايران كانت تملك قدرة على التاثير في الانتخابات بشكل مختلف دون التدخل من خلال الحصول على قاعدة بيانات الناخبين او العمل السيبراني حسب الاتهمامات الموجهة لها ، وكان من الممكن لايران احراج الرئيس ترامب عبر تفعيل النشاط العسكري ضد القوات الامريكية في المنطقة وتنفيذ عمليات امنية وعسكرية قبيل الانتخابات ولكنها لم تفعل .
تعتمد رغبة ايران في رؤية من يكون الرئيس المقبل في البيت الابيض على عدة معطيات تملكها ، وان كانت هذه المعطيات كافية لتوضح لها طبيعة سياسية دونالد ترامب في السنوات الاربع المقبلة ، فان حساباتها قد تكون اعمق من معادلة بدهيه مباشرة تقول ان ايران تتمنى رؤية هزيمة ترامب .
وعلى اعتبار ان الاخير بنى سياسياته خلال الاربع سنوات الماضية على قاعدة الحصول على ولاية ثانية ومن اجل هذه الغاية رسم سياسية خارجية وداخلية محكومة بفرص النجاح في الانتخابات المقبلة ، ومن خلالها قدم هدايا ثمينة لاسرائيل وحاول الظهور بمظهر الرئيس القوي امام الخصوم والاصدقاء ، فان هذا بالتاكيد سوف ينتفي في الولاية الثانية ولن يكون هناك انتخابات يسعى ترامب للنجاح فيها .
يقول المبعوث الأمريكي الخاص لإيران إليوت أبرامز للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إن بلاده ترجح جلوس إلى طاولة التفاوض مع ايران بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية المزمعة في الولايات المتحدة . من الممكن ان يسعى ترامب المهووس بالامجاد الشخصية الى محاولة دخول التاريخ في الولاية الثانية اذا ما نجح في الانتخابات واللجوء الى عقد صفقات كبرى مع الحلفاء والخصوم على حد سواء او الحروب الكبرى التي لن يدفع ثمنها في اي صندوق انتخاب .
ما لدى ايران من تقديرات حول المسار الذي سوف ينحو اليه الرئيس ترامب هو المعيار الايراني في الرغبة او عدم الرغبة ببقائه في البيت الابيض فايران لا تنظر الى وجوههم بل الى السياسيات التي يتبنونها .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/10/29